للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالُوا: وَهُوَ عِنْدُ هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا يُسْتَحْسَنُ فِي الْعَوَائِدِ، وَتَمِيلُ إِلَيْهِ الطِّبَاعُ؛ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ إِذَا لَمْ يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ (ما ينافيه، ففي هَذَا) (١) الْكَلَامُ مَا بيَّن أَنَّ ثَمَّ مِنَ التَّعَبُّدَاتِ مَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْبِدْعَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْقَسِمَ إِلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ اسْتِحْسَانٍ (باطلاً، كما أنه لَيْسَ كُلُّ اسْتِحْسَانٍ) (٢) حَقًّا.

وَأَيْضًا فَقَدْ يَجْرِي عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي لِلْأُصُولِيِّينَ فِي الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ لَا تُسَاعِدُهُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ، وَلَا يَقْدِرُ على إظهاره (٣)، وهذا التأويل (للاستحسان يساعد البدعة) (٤) لِأَنَّهُ يَبْعُدُ فِي مَجَارِي الْعَادَاتِ أَنْ يَبْتَدِعَ أحد بدعة من غير شبهة دليل (تنقدح) (٥) لَهُ، بَلْ عَامَّةُ الْبِدَعِ لَا بُدَّ لِصَاحِبِهَا مِنْ مُتَعَلِّقِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، لَكِنْ قَدْ يُمْكِنُهُ إِظْهَارُهُ وَقَدْ لَا يُمْكِنُهُ ـ وَهُوَ الْأَغْلَبُ ـ فَهَذَا مِمَّا يَحْتَجُّونَ بِهِ.

وَرُبَّمَا/ يَنْقَدِحُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَجْهٌ بِالْأَدِلَّةِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا أَهْلُ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلُونَ، وَقَدْ أَتَوْا بِثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ/ مِنْ رَبِّكُمْ} (٦)، وقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} (٧)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ *الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} (٨)، (فأحسنه) (٩) هو ما تستحسنه عقولهم.

والثاني: (قَوْلُهُ) (١٠) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حسناً فهو


(١) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "ما ينافي هذا".
(٢) زيادة من (غ) و (ر).
(٣) انظر: روضة الناظر (ص١٤٨)، والإحكام للآمدي (٤ ١٥٧).
(٤) في (ط) و (غ) و (م): "فالاستحسان يساعده لبعده"، وفي (ت): "للاستحسان لا يساعده لبعده".
(٥) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "ينقدح".
(٦) سورة الزمر: الآية (٥٥).
(٧) سورة الزمر: الآية (٢٣).
(٨) سورة الزمر: الآية (١٧، ١٨).
(٩) زيادة من (غ) و (ر).
(١٠) في (م): "في قوله".