للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ

إِذا ثَبَتَ هَذَا، فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ (١) فَعَمَلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لأَنه عَامِلٌ إِما بِغَيْرِ شَرِيعَةٍ؛ لأَنه لَمْ يَتَّبِعْ أدلَّتها (٢)، وإِما عَامِلٌ بِشَرْعٍ مَنْسُوخٍ، وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّاسِخِ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ؛ لأَن الترهُّب وَالِامْتِنَاعَ مِنَ اللَّذَّاتِ (٣) والنساءِ (٤) وَغَيْرِ ذَلِكَ إِن كَانَ مَشْرُوعًا فَفِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنَ الشَّرَائِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَكِنِّي أَصوم وأُفطر، وأُصلي (٥) وَأَرْقُدُ (٦)، وأَتزوج النساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (٧)، وَهُوَ مَعْنَى الْبِدْعَةِ.

فإِن قِيلَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ (٨) مِنْ نَقْلِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الرَّهْبَانِيَّةِ: أَنَّهَا السِّيَاحة واتِّخاذ الصَّوَامِعِ للعُزْلَة. قَالَ: وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إِليه فِي دِينِنَا عِنْدَ فَسَادِ الزَّمَانِ.

وَقَدْ بَسَطَ الْغَزَالِيُّ هَذَا الْفَصْلَ فِي "الإِحياء" (٩) حين (١٠) ذَكَرَ الْعُزْلَةِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ "آدَابِ النِّكَاحِ" (١١) مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَةٌ. وَحَاصِلُهُ: أَن ذَلِكَ مَشْرُوعٌ، بَلْ هُوَ الأَولى عِنْدَ عُرُوضِ الْعَوَارِضِ، وَعِنْدَمَا يَصِيرُ النِّكَاحُ وَمُخَالَطَةُ النَّاسِ وَبَالًا عَلَى الإِنسان، ومؤدِّياً إِلى اكْتِسَابِ الْحَرَامِ وَالدُّخُولِ


(١) في (ر) و (غ): "العهد".
(٢) في (م): "أدلته".
(٣) قوله: "اللذات" ليس في (خ).
(٤) في (خ): "النساء".
(٥) في (غ): قدم قوله: "وأصلي" على قوله: "وأفطر"، ثم وضع عليهما علامتي التقديم والتأخير (مـ مـ).
(٦) في (خ) و (م): "وأنام".
(٧) تقدم تخريجه (ص١٤٧).
(٨) تقدم (ص١٤٧).
(٩) (٢/ ٢٢٢).
(١٠) في (خ): "عند".
(١١) من "الإحياء" (٢/ ٢٢ ـ ٣٧).