للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ

ثُمَّ أَتى بمأْخذ آخَرَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّة مَا زَعَمَ، وَهُوَ أَن الدعاءَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ نَهْيٌ عَنْهُ، مَعَ وُجُودِ التَّرْغِيبِ فِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَوُجُودِ الْعَمَلِ بِهِ، فإِن صَحّ أَن السَّلَفَ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ، فَالتَّرْكُ لَيْسَ بموجبٍ لحكمٍ فِي الْمَتْرُوكِ؛ إِلا جَوَازَ التَّرْكِ وَانْتِفَاءَ الْحَرَجِ خَاصَّةً، لَا تَحْرِيمَ وَلَا كَرَاهِيَةَ.

وَجَمِيعُ مَا قَالَهُ مُشْكِلٌ عَلَى قَوَاعِدِ الْعِلْمِ، وَخُصُوصًا فِي الْعِبَادَاتِ ـ الَّتِي هِيَ مسأَلتنا ـ، إِذ لَيْسَ لأَحد مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَن يَخْتَرِعَ فِي الشريعة من رأْيه أَمراً لا يدُلّ (١) عَلَيْهِ مِنْهَا دَلِيلٌ؛ لأَنه عَيْنُ الْبِدْعَةِ، وَهَذَا كَذَلِكَ، إِذ لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى اتِّخَاذِ الدُّعَاءِ جَهْرًا لِلْحَاضِرِينَ فِي آثَارِ الصَّلَوَاتِ دَائِمًا، عَلَى حَدِّ مَا تُقَامُ السُّنَنُ (٢)، بِحَيْثُ يُعَدّ الخارج عنها (٣) خَارِجًا عَنْ جَمَاعَةِ أَهل الإِسلام، مُتَحَيِّزاً (٤) ومتميِّزاً إِلى سَائِرِ مَا ذُكر. وَكُلُّ مَا لَا دليلَ (٥) عليه فَهُوَ الْبِدْعَةُ.

وإِلى هَذَا (٦): فإِن ذَلِكَ الْكَلَامَ يُوهِمُ أَن اتِّبَاعَ المتأَخرين المقلِّدين خَيْرٌ مِنَ اتباع السلف الصالحين (٧)، ولو كان في أَحدِ جائِزَيْن، فكيف إِذا كان في أَمرين أَحدهما مُتَيَقَّنٌ أَنه صَحِيحٌ، وَالْآخِرُ مَشْكُوكٌ فيه؟ فيتّبع


(١) في (خ): "لا يوجد"، وفي (م): "لا يدخل".
(٢) قوله: "السنن" سقط من (خ)، وفي (غ) "السنة".
(٣) في (خ) و (م): "عنه".
(٤) في (خ) و (م): "متجزاً"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا في الأصل! ولعله: "متحيزاً ومتميزاً".اهـ.
(٥) في (خ): "ما لا يدل"، وقد أثبت رشيد رضا العبارة هكذا: "وكل ما لا يدل عليه دليل"، فزاد قوله: "دليل"، وقال في الحاشية: سقط لفظ "دليل" من الأصل. اهـ.
(٦) علق رشيد رضا هنا بقوله: لعله: "وعلى هذا".اهـ.
(٧) في (خ) و (م): "الصالحين من السلف".