للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

إِذا تَقَرَّرَ أَن الْبِدَعَ لَيْسَتْ فِي الذَّمِّ وَلَا فِي النَّهْيِ عَلَى رُتْبَةٍ (١) وَاحِدَةٍ، وأَن مِنْهَا مَا هُوَ مَكْرُوهٌ، كَمَا أَن مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ، فَوَصْفُ الضَّلَالَةِ لَازِمٌ لَهَا، وشاملٌ لأَنواعها؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (٢).

لَكِنْ يَبْقَى هَاهُنَا إِشكال، وَهُوَ: أَنَّ الضَّلَالَةَ ضِدَّ الْهُدَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اُشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى} (٣)، وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} (٤)، وأَشباه ذَلِكَ مِمَّا قُوبِلَ فِيهِ (٥) بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ، فإِنه يَقْتَضِي أَنهما ضِدَّان، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ تُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ، فَدَلَّ عَلَى أَن الْبِدَعَ الْمَكْرُوهَةَ خُرُوجٌ عَنِ الهُدَى.

وَنَظِيرِهِ فِي المخالفات التي ليست ببدع: المكروه (٦) مِنَ الأَفعال؛ كَالِالْتِفَاتِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غير حاجة (٧)، والصلاة وهو يدافعه


(١) في (ت): "درجة" بدل "رتبة".
(٢) سبق تخريجه (١/ ١٠٨)، و (ص٣١٨) من هذا المجلد.
(٣) سورة البقرة: الآية (١٦).
(٤) سورة الزمر: الآيتان (٣٦، ٣٧).
(٥) في (غ) و (م) و (ر): "به".
(٦) في (خ) و (م) و (ت): "المكروهة".
(٧) لما أخرجه البخاري (٧٥١) من حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (٢/ ٢٣٤): قوله: "باب الالتفات في الصلاة": لم يبيِّن المؤلف [يعني البخاري] حكمه، لكن الحديث دلّ على الكراهة، وهو إجماع؛ لكن الجمهور على أنها للتنزيه، وقال المتولي: يحرم إلا للضرورة، وهو قول أهل الظاهر. وورد في كراهية الالتفات صريحاً على غير شرطه عدة أحاديث، منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر رفعه: "لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه عنه انصرف. اهـ.