للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

إِذا (١) ثَبَتَ هَذَا انْتَقَلْنَا مِنْهُ إِلى مَعْنًى آخَرَ

وَهُوَ أَن المُحَرَّم يَنْقَسِمُ فِي الشَّرْعِ إِلى مَا هُوَ صَغِيرَةٌ، وإِلى مَا هُوَ كَبِيرَةٌ ـ حَسْبَمَا تبيَّن فِي عِلْمِ الأُصول الدِّينِيَّةِ ـ، فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ: إِنها تَنْقَسِمُ إِلى الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ اعْتِبَارًا بِتَفَاوُتِ دَرَجَاتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بأَن الْمَعَاصِيَ تَنْقَسِمُ إِلى الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ. وَلَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَوجه وَجَمِيعُ مَا قَالُوهُ لَعَلَّهُ لَا يُوفِي بِذَلِكَ الْمَقْصُودِ عَلَى الْكَمَالِ فَلْنَتْرُكِ التَّفْرِيعَ عَلَيْهِ.

وأَقرب وَجْهٍ (٢) يُلْتَمَسُ لِهَذَا الْمَطْلَبِ مَا تَقَرَّرَ فِي كِتَابِ "الْمُوَافِقَاتِ" (٣) أَن الْكَبَائِرَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الإِخلال بِالضَّرُورِيَّاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي كُلِّ مِلَّة، وَهِيَ: الدِّينُ، وَالنَّفْسُ، وَالنَّسْلُ، وَالْعَقْلُ، وَالْمَالُ، وكل ما نُصَّ عليه منها (٤) رَاجِعٌ إِليها، وَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ جَرَتْ في الاعتبار النظري (٥) مَجْرَاهَا، وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ أَشتات مَا ذَكَرَهُ العلماءُ وَمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ.

فَكَذَلِكَ نَقُولُ فِي كَبَائِرَ الْبِدَعَ: مَا أَخَلَّ مِنْهَا بأَصل مِنْ هَذِهِ الضَّرُورِيَّاتِ فَهُوَ كبيرة، وما لا، فهي صَغِيرَةٌ (٦)، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ لِذَلِكَ أَمثلة أَول الْبَابِ.

فَكَمَا انْحَصَرَتْ كَبَائِرُ الْمَعَاصِي أَحسن انْحِصَارٍ ـ حَسْبَمَا أُشِيرَ إِليه فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ ـ؛ كَذَلِكَ تَنْحَصِرُ كَبَائِرُ الْبِدَعِ أَيضاً، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَعْتَرِضُ (٧) فِي


(١) في (ر) و (غ): "وإذا".
(٢) في (ت): "شيء" بدل "وجه".
(٣) (٢/ ٥١١).
(٤) قوله: "منها" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(٥) في (خ) و (ت) و (م): "النظر".
(٦) في (ت): "فهو صغيرة".
(٧) في (غ) و (ر): "يفترض".