للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ

وَمِنَ الْبِدَعِ الإِضافية الَّتِي تَقْرُبُ مِنَ الْحَقِيقِيَّةِ (١): أَن يَكُونَ أَصل الْعِبَادَةِ مَشْرُوعًا، إِلا أَنها تُخْرَج عَنْ أَصل شَرْعِيَّتِهَا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، توهُّماً أَنها بَاقِيَةٌ عَلَى أَصلها تَحْتَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ، وَذَلِكَ بأَن يُقَيَّد إِطلاقها بالرأْي، أَو يُطْلَق تقييدُها، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّها الَّذِي حُدَّ لَهَا.

وَمِثَالُ ذَلِكَ أَن يُقَالَ: إِن الصَّوْمَ فِي الْجُمْلَةِ مَنْدُوبٌ إِليه لَمْ يخصَّه الشَّارِعُ (٢) بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَا حَدَّ فِيهِ زَمَانًا (٣) دُونَ زَمَانٍ، مَا عَدَّا مَا نُهي عن صيامه على الخصوص كالعيدين (٤)، أو نُدِب (٥) إِليه على الخصوص كعرفة وعاشوراء (٦). يقول (٧): فأنا أخصّ (٨) مِنْهُ يَوْمًا مِنَ الْجُمْعَةِ (٩) بِعَيْنِهِ، أَو أَياماً مِنَ الشَّهْرِ بأَعيانها، لَا مِنْ جِهَةِ مَا عيَّنه الشارع، فإِن ذلك ظاهر، بل (١٠) مِنْ جِهَةِ اخْتِيَارِ المُكَلّف؛ كَيَوْمِ الأَربعاء مَثَلًا فِي الْجُمْعَةِ، وَالسَّابِعِ وَالثَّامِنِ فِي الشَّهْرِ، وَمَا أَشبه ذَلِكَ، بِحَيْثُ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ وَجْهًا بعينه مما يقصده العاقل؛ كفراغه في ذلك الوقت من الأشغال المانعة من الصوم، أَو تَحَرِّي أَيام النشاط والقوة، بل يُصَمِّم على تلك


(١) في (خ): "الحقيقة".
(٢) في (ر) و (غ): "الشرع".
(٣) في (خ) و (م): "زمان".
(٤) ورد النهي في عدة أحاديث، منها: ما أخرجه البخاري (١٩٩٣)، ومسلم (١١٣٨)، كلاهما مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الأضحى ويوم الفطر.
(٥) في (خ) و (م) و (ت): "وندب".
(٦) تقدم ما ورد في فضل عرفة وعاشوراء (ص٢٧).
(٧) قوله: "يقول" سقط من (ت)
(٨) في (خ) و (ت): "فإذا خص".
(٩) الجمعة هنا بمعنى الأسبوع.
(١٠) في (خ) و (ت): "بأنه" بدل "بل".