للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَيام تصميماً (١) لَا يَنْثَنِي عَنْهُ. فإِذا قِيلَ لَهُ: لِمَ خَصَّصَتْ تِلْكَ الأَيام دُونَ غَيْرِهَا؟ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِذَلِكَ حُجَّةٌ غَيْرَ التَّصْمِيمِ، أَو يَقُولُ: إِن الشَّيْخَ الْفُلَانِيَّ مَاتَ فِيهِ، أَو مَا أَشبه ذَلِكَ. فَلَا شَكَّ أَنه رَأْيٌ مَحْضٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، ضَاهَى بِهِ تَخْصِيصَ الشَّارِعِ أَياماً بأَعيانها (٢) دون غيرها، فصار ذلك (٣) التَّخْصِيصُ مِنَ المُكَلَّف بِدْعَةً؛ إِذ هِيَ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ.

وَمِنْ ذَلِكَ تَخْصِيصُ الأَيام الْفَاضِلَةِ بأَنواع مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي لَمْ تُشْرَعْ لَهَا تَخْصِيصًا؛ كَتَخْصِيصِ الْيَوْمِ الْفُلَانِيِّ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الرَّكَعَاتِ، أَو بِصَدَقَةِ كَذَا وَكَذَا، أَو اللَّيْلَةِ الْفُلَانِيَّةِ بِقِيَامِ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةٍ، أَو بِخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا، أَو مَا أَشبه ذَلِكَ (٤)، فإِن ذَلِكَ التَّخْصِيصَ وَالْعَمَلَ بِهِ إِذا لَمْ يَكُنْ بِحُكْمِ الْوِفَاقِ، أَو بقصدٍ يَقْصِدُ مِثْلَهُ أَهلُ العقل؛ كالفراغ (٥) وَالنَّشَاطِ، كَانَ تَشْرِيعًا زَائِدًا.

وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي أَن يَقُولَ: إِن هَذَا الزَّمَانَ (٦) ثَبَتَ فَضْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَحْسُنُ فِيهِ إِيقاع الْعِبَادَاتِ؛ لأَنا نَقُولُ: هَذَا الحُسن هَلْ ثَبَتَ لَهُ أَصل أَم لا؟ فإِن ثبت فليست مسأَلتنا (٧)؛ كَمَا ثَبَتَ الْفَضْلُ فِي قِيَامِ لَيَالِي رَمَضَانَ (٨)، وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيام مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (٩)، وَصِيَامِ الإثنين (١٠)


(١) من قوله: "يقصده العاقل" إلى هنا سقط من (خ) و (م) و (ت).
(٢) في (ت): "بعينها".
(٣) قوله: "ذلك" من (غ) و (ر) فقط.
(٤) قوله: "ذلك" سقط من (ر). وعلق رشيد رضا رحمه الله على هذا الموضع بقوله: "ومنه: صلاة الرغائب، وصلاة ليلة النصف من شعبان. ومنه: تخصيص أيام معينة لزيارة القبور والصدقة عندها؛ كأول جمعة من رجب، كل ذلك من البدع والتشريع الذي لم يأذن به الله. وقد يتصل بالبدعة الواحدة بدع ومعاصٍ أخرى توجب تركها ـ ولو لم تكن بدعة ـ؛ لسدّ ذريعة هذه المفاسد". اهـ.
(٥) في (خ) و (ت): "والفراغ".
(٦) في (ر) و (غ): "القرآن" بدل "الزمان".
(٧) في (خ) و (م) و (ت): "فإن ثبت فمسئلتنا"، وعلق رشيد رضا بقوله: "أي: فهو مسألتنا".اهـ.
(٨) أخرج البخاري (٢٠٠٨)، ومسلم (٧٥٩) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
(٩) أخرج البخاري (١٩٨١)، ومسلم (٧٢١) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: أوصاني خليلي صلّى الله عليه وسلّم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام.
(١٠) أخرج مسلم (١١٦٢) من حديث أبي قتادة: أنه صلّى الله عليه وسلّم سئل عن صوم يوم الإثنين، قال: "ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت ـ أو أنزل عليَّ ـ فيه"، وانظر التعليق الآتي.