للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْهُ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا أَرَدْنَا، إِذِ الْوَعِيدُ بِالنَّارِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ (كَمَا) (١) يَتَعَلَّقُ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ تباينا في التخليد وعدمه.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

إِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْمَذْكُورَةَ آنِفًا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَقَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْمُبْتَدِعَةُ فِي قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ عَلَى الْخُصُوصِ، كَالْجَبْرِيَّةِ (٢) وَالْقَدَرِيَّةِ (٣) وَالْمُرْجِئَةِ (٤) وَغَيْرِهَا وَهُوَ مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنَّ إِشَارَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِ، وَهُوَ رَأْيُ الطَّرْطُوشِيِّ (٥)، أَفَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} (٦)، و (ما) في قوله تعالى: {مَا تَشَابَهَ}، لَا تُعْطِي/ خُصُوصًا فِي اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ لَا فِي قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ، وَلَا فِي (غَيْرِهَا) (٧)، بَلِ الصِّيغَةُ تَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَالتَّخْصِيصُ تحكُّم.

وَكَذَلِكَ قوله/ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (٨)، فجعل ذلك (التفرق) (٩) فِي الدِّينِ وَلَفْظُ الدِّينِ، يَشْمَلُ الْعَقَائِدَ وَغَيْرَهَا، وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (١٠)، فالصراط المستقيم هو الشريعة على العموم، (وبيانه) (١١) مَا تَقَدَّمَ فِي السُّورَةِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ، وَإِيجَابِ الزَّكَاةِ/ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى أبدع نظم وأحسن سياق.


(١) في (م): "بما".
(٢) الجبرية: انظر ملحق الفرق رقم (٨٨).
(٣) تقدم تعريفهم (ص١/ ١٤).
(٤) المرجئة: انظر ملحق الفرق رقم (٧٨).
(٥) ذكر الطرطوشي رأيه هذا في أكثر من موضعٍ في كتابه الحوادث والبدع، حيث ذكر كثيراً من البدع العملية، والتي لا تختص بالعقائد.
(٦) سورة آل عمران: الآية (٧).
(٧) في (غ) و (ر): "غيره".
(٨) سورة الأنعام: الآية (١٥٩).
(٩) في (ط) و (خ) و (غ) و (ر): "التفريق".
(١٠) سورة الأنعام: الآية (١٥٣).
(١١) في (ط) و (م) و (خ): "وشبه". وفي (غ) و (ر): "وبينة".