للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

لَا يَخْلُو الْمَنْسُوبُ إِلَى الْبِدْعَةِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فِيهَا أَوْ مُقَلِّدًا. وَالْمُقَلِّدُ إِمَّا مُقَلِّدٌ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي زَعَمَهُ الْمُجْتَهِدُ دَلِيلًا، وَالْأَخْذُ فِيهِ بِالنَّظَرِ، وَإِمَّا مُقَلِّدٌ لَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ كَالْعَامِّيِّ الصِّرْفِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنْ يَصِحَّ كَوْنُهُ مُجْتَهِدًا، فَالِابْتِدَاعُ مِنْهُ لَا يَقَعُ إِلَّا فَلْتَةً، وَبِالْعَرَضِ لَا بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا تُسَمَّى غَلْطَةً أَوْ زَلَّةً، لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَقْصِدْ اتِّبَاعَ الْمُتَشَابِهِ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ، وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ، أَيْ لَمْ يَتَّبِعْ هَوَاهُ، وَلَا جَعَلَهُ عُمْدَةً (١). وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ أَذْعَنَ لَهُ، وَأَقَرَّ بِهِ.

وَمِثَالُهُ: مَا يُذْكَرُ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ (٢) بْنِ مَسْعُودٍ (٣) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِالْإِرْجَاءِ (٤) ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَالَ:

وَأَوَّلُ مَا أُفَارِقُ غَيْرَ شك (٥)

أفارق ما يقول المرجئونا (٦)


(١) في (غ) و (ر): "عمدته".
(٢) ساقطة من (ت).
(٣) هو عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود الإمام، القدوة، العابد أبو عبد الله الهذلي الكوفي، أخو فقيه المدينة عبيد الله. حدث عن أبيه، وأخيه، وابن المسيب، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو وطائفة، وحدث عنه أبو حنيفة، ومسعر، والمسعودي، وآخرون، وثقه أحمد وغيره، توفي سنة بضع عشرة ومائة.
انظر: طبقات ابن سعد (٦/ ٣١٣)، تاريخ البخاري (٧/ ١٣)، تهذيب التهذيب (٨/ ١٧١)، السير (٥/ ١٠٣).
(٤) تقدمت ترجمة المرجئة (ص٢٧).
(٥) في (ط): "شاك". والمثبت هو الذي في جميع النسخ، وهو المروي عنه.
(٦) في (م) و (ت) و (ط): "المرجئون"، وكتب في هامش (خ): "المرجئيون".
وقد ذكر هذا البيت عنه الإمام المزي في تهذيب الكمال (٢٢/ ٤٥٧)، والإمام ابن حجر في تهذيب التهذيب (٨/ ١٧٢)، وكلهم يذكر رجوعه عن الإرجاء.