للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسألة/ الثالثة/ عشرة (١):

إن قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إِلَّا وَاحِدَةً"، قَدْ أَعْطَى بِنَصِّهِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا (يَخْتَلِفُ) (٢)، إِذْ لَوْ كَانَ لِلْحَقِّ فِرَق أَيْضًا لَمْ يَقُلْ: "إِلَّا وَاحِدَةً"، وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَنْفِيٌّ عَنِ الشَّرِيعَةِ بِإِطْلَاقٍ، لِأَنَّهَا الْحَاكِمَةُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (٣) الآية، (فردَّ) (٤) (التَّنَازُعِ) (٥) إِلَى الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الشَّرِيعَةُ تَقْتَضِي الْخِلَافَ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّدِّ إِلَيْهَا فَائِدَةٌ، وَقَوْلُهُ: (فِي شَيْءٍ)، نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، فَهِيَ صِيغَةٌ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، فَتَنْتَظِمُ كُلُّ تَنَازُعٍ عَلَى الْعُمُومِ، فَالرَّدُّ فِيهَا لَا يَكُونُ إلا (إلى أمر) (٦) وَاحِدٍ فَلَا يَسَعُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْحَقِّ فِرقاً.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (٧)، وَهُوَ نَصٌّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ السَّبِيلَ الْوَاحِدَ لَا يَقْتَضِي الِافْتِرَاقَ، بِخِلَافِ السُّبُلِ الْمُخْتَلِفَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْعَاشِرَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: (وَاخْتَلَفَ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، نَجَا مِنْهَا ثَلَاثٌ وَهَلَكَ سَائِرُهَا) (٨) إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، فَلَوْ لَزِمَ مَا قُلْتَ لَمْ يَجْعَلْ أُولَئِكَ الْفِرَقَ ثَلَاثًا، وَكَانُوا فِرْقَةً وَاحِدَةً، وَحِينَ (بُيِّنُوا) (٩) ظَهَرَ أنهم كُلُّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفِرَقُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، لَوْلَا أَنَّ الْحَدِيثَ/ أَخْبَرَ أَنَّ النَّاجِيَةَ وَاحِدَةٌ.

فَالْجَوَابُ: / أَوَّلًا: أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ لَمْ نَشْتَرِطِ الصِّحَّةَ فِي نقله، إذ لم


(١) في (ت) و (خ) و (م): "عشر".
(٢) في (غ) و (ر): "مختلف".
(٣) سورة النساء: الآية (٥٩).
(٤) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "إذ رد".
(٥) في (ت): "المتنازع".
(٦) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لأمر".
(٧) سورة الأنعام: الآية (١٥٣).
(٨) تقدم تخريجه (٣/ ١٨٢).
(٩) في (خ): "ينيوا".