للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ

إِذا ثَبَتَ مَا تَقَدَّمَ وَرَدَ الإِشكال الثَّانِي: وَهُوَ أَن الْتِزَامَ النَّوَافِلِ الَّتِي يَشُقُّ الْتِزَامُهَا مُخَالَفَةٌ لِلدَّلِيلِ، وإِذا خَالَفَتْ فَالْمُتَعَبِّدُ بِهَا على ذلك التَّقْدِيرِ مُتَعَبِّدٌ بِمَا لَمْ يُشْرَعْ، وَهُوَ عَيْنُ الْبِدْعَةِ. فإِما أَن تَنْتَظِمَهَا أَدلة ذَمِّ الْبِدْعَةِ، أَو لَا؟ فإِن انْتَظَمَتْهَا أَدلة الذَّمِّ، فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لأَمرين:

أَحدهما: أَن رَسُولَ اللَّهِ (ص) لَمَّا كَرِهَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (١) مَا كره فقال (٢) لَهُ (٣): إِني أُطيق أَفضل مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ (٤) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَفضل مِنْ ذَلِكَ"، تَرَكَهُ بَعْدُ عَلَى الْتِزَامِهِ. وَلَوْلَا أَن عبد الله بن عمرو (٥) فَهِمَ مِنْهُ بَعْدَ نَهْيِهِ الإِقرار عَلَيْهِ لَمَا الْتَزَمَهُ وَدَاوَمَ (٦) عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ: لَيْتَنِي قَبِلْتُ رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم! فَلَوْ قُلْنَا: إِنها (٧) بِدْعَةٌ ـ وَقَدْ ذُمَّ كُلُّ بِدْعَةٍ عَلَى الْعُمُومِ ـ، لَكَانَ مُقِرّاً لَهُ عَلَى خطإٍ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، كَمَا أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يُعْتَقَدَ فِي الصَّحَابِيِّ أَنه خَالَفَ أَمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قَصْدًا لِلتَّعَبُّدِ بِمَا نَهَاهُ عَنْهُ. فَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَتقى لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ (٨) مِنْ وِصَالِ الصِّيَامِ وأَشباهه. وإِذا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ أَن يقال: إِنها بدعة.

والثاني (٩): أَن الْعَامِلَ بِهَا دَائِمًا بِشَرْطِ الوفاءِ إِن الْتَزَمَ الشرط فأَداها


(١) في (م): "عمر". وحديث عبد الله بن عمرو هذا تقدم (ص ١٥٧ ـ ١٥٨).
(٢) في (خ): "وقال".
(٣) قوله: "له" ليس في (غ) و (ر).
(٤) في (خ): "فقال له".
(٥) قوله: "بن عمرو" ليس في (خ) و (م).
(٦) في (غ) و (ر): "ودام".
(٧) في (ر) و (غ): "إنه".
(٨) يعني: عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وتقدم تخريج حديثيهما (ص١٧٩ ـ ١٨٠).
(٩) في (خ) و (م): "الثاني".