للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَصْلٌ

فإِن قِيلَ: فَالْبِدَعُ الإِضافية هَلْ يُعْتَدُّ بِهَا عباداتٍ حَتَّى تَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ مُتَقَرَّباً بِهَا إِلى اللَّهِ تَعَالَى، أَم لَا تَكُونُ كَذَلِكَ؟

فإِن كَانَ الأَول فَلَا تأْثير إِذاً لِكَوْنِهَا بِدْعَةً، وَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ، إِذ لَا يَخْلُو (١) مِنْ أَحد الأَمرين (٢): إِما أَن لَا يُعتبر بِجِهَةِ الِابْتِدَاعِ فِي الْعِبَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ، فَتَقَعُ مَشْرُوعَةً يُثَابُ عَلَيْهَا، فَتَصِيرُ جِهَةَ الِابْتِدَاعِ مُغْتَفِرَةً، فَلَا عَلَى الْمُبْتَدَعِ (٣) فِيهَا أَن يَبْتَدِعَ. وإِما أَن يُعتبر بِجِهَةِ الِابْتِدَاعِ، فَقَدْ صَارَ لِلِابْتِدَاعِ أَثر فِي ترتُّب الثَّوَابِ، فَلَا يصح أَن يكون منهيّاً (٤) عَنْهُ بإِطلاق، وَهُوَ خِلَافُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ عُمُومِ الذَّمِّ فِيهِ. وإِن كَانَ الثَّانِي: فَقَدِ اتَّحَدَتْ البدعة الإِضافية مع الحقيقية؛ فالتقسيم (٥) الَّذِي انْبَنَى عَلَيْهِ الْبَابُ الَّذِي نَحْنُ فِي شرحه لا فَائِدَةَ فِيهِ.

فَالْجَوَابُ: أَن حَاصِلَ الْبِدْعَةِ الإِضافية أَنها لَا تَنْحاز إِلى جَانِبٍ مَخْصُوصٍ فِي الجملة، بل يتجاذبها الأَصلان ـ أَصل السُّنَّةِ وأَصل الْبِدْعَةِ ـ، لَكِنْ مِنْ وَجْهَيْنِ. وإِذا كَانَ كَذَلِكَ اقْتَضَى النَّظَرُ السَّابِقُ لِلذِّهْنِ أَن يُثَابَ الْعَامِلُ بِهَا مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ، ويُعاتب مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، إِلا أَن هَذَا النَّظَرَ لا يتحصل؛ لأَنه مجمل.


(١) في (ر) و (غ): "لا تخلو".
(٢) في (ر) و (غ): "أمرين".
(٣) في (ر) و (غ): "جهة الابتداع معتبرة بما على المبتدع".
(٤) في (ت) و (خ) و (م): "منفياً" بدل "منهياً".
(٥) تصحَّفت الكلمة على رشيد رضا رحمه الله هكذا: "بالتقسيم"، فأشكل عليه باقي العبارة، فعلّق في نهاية هذا السطر ـ بعد قوله: "لا فائدة فيه" ـ بقوله: "كذا! ولعل أصله: ولا فائدة فيه".