للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والذي ينبغي أن يقال: إِن (١) جهة البدعة في العمل لا تخلو (٢) أَن تَنْفَرِدَ أَو تَلْتَصق، وإِن الْتَصَقَتْ فَلَا تَخْلُو أَن تَصِيرَ وَصْفًا لِلْمَشْرُوعِ غَيْرَ مُنْفَكٍّ؛ إِما بالقصد، أَو بالوضع الشرعي، أو (٣) الْعَادِيِّ، أَو لَا (٤) تَصِيرُ وَصْفًا. وإِن لَمْ تَصِرْ وصفاً، فإِما أَن يكون وضعها ذريعة (٥) إِلى أَن تَصِيرَ وَصْفًا أَوْ لَا.

فَهَذِهِ أَربعة أَقسام لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا فِي تحصيل هذا المطلوب بحول الله تعالى:

فأَما الْقِسْمُ الأَول ـ وَهُوَ أَن تَنْفَرِدَ الْبِدْعَةُ عَنِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوعِ ـ: فَالْكَلَامُ فِيهِ ظَاهِرُ مِمَّا تَقَدَّمَ، إِلا أَنَّهُ إِن كَانَ وَضْعُهُ عَلَى جِهَةِ التعبُّد فَبِدْعَةٌ حَقِيقِيَّةٌ، وإِلا فَهُوَ فِعْلٌ مِنْ جُمْلَةِ الأَفعال الْعَادِيَّةِ، لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. فَالْعِبَادَةُ سَالِمَةٌ وَالْعَمَلُ الْعَادِيُّ خَارِجٌ (٦) مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

مِثَالُهُ: الرَّجُلُ يُرِيدُ القيام إِلى الصلاة فيَتَنَحْنَحُ مثلاً، أَو يَمْتَخِطُ (٧)، أَو يَمْشِي خُطُوَاتٍ، أَو يَفْعَلُ شَيْئًا وَلَا يقصد بذلك (٨) وَجْهًا رَاجِعًا إِلى الصَّلَاةِ، وإِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ عادة أَو تعزُّزاً (٩)، فَمِثْلُ هَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ فِي نَفْسِهِ، وَلَا بِالنِّسْبَةِ إِلى الصَّلَاةِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَادَاتِ الْجَائِزَةِ، إِلا أَنه يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيضاً أَن لَا يَكُونَ بِحَيْثُ يُفْهَمُ مِنْهُ الِانْضِمَامُ إِلى الصَّلَاةِ (١٠) عَمَلًا أَو قَصْدًا، فإِنه إِذ ذَاكَ يَصِيرُ بِدْعَةً. وسيأْتي بَيَانُهُ إِن شاءَ اللَّهُ.

وَكَذَلِكَ أَيضاً إِذا فَرَضْنَا أَنه فَعَلَ فعلاً قَصْدَ التقرُّب مما لم يشرع


(١) في (ت) و (خ): "في" بدل "إن".
(٢) في (ت) و (م) و (خ): "لا يخلو".
(٣) قوله: "أو" سقط من (خ).
(٤) في (ت) و (خ) و (م): "ولا".
(٥) قوله: "ذريعة" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(٦) في (ر) و (غ): "خارجي".
(٧) في (خ) و (ت): "يتمخَّط".
(٨) في (خ) و (م): "بذا" بدل "بذلك".
(٩) كذا في (غ) و (ر)! وفي (خ) و (م) و (ت): "تغرزاً"، أو "تقرزاً". وأما رشيد رضا فأثبتها: "تقززاً"، ولم تنقط الراء في نسخة (خ) التي اعتمد هو عليها!.
(١٠) من قوله: "وهو من جملة العادات" إلى هنا سقط من (غ).