للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث محنته، وما ابتلي به، واتهامه من خصومه]

كان لتصدي الإمام الشاطبي لأنواع من البدع التي أَلِفَها الناس واعتادوها أثره في المواجهة، ليس مع العامة والدهماء، بل ومع بعض العلماء، ومنهم من كان من شيوخه، وكان مما اتهم به رحمه الله:

١ - القول بأن الدعاء لا ينفع وأنه لا فائدة فيه (١):

وسبب هذه التهمة أن الإمام الشاطبي لم يلتزم الدُّعَاءَ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ حَالَةَ الإمامة (٢)، وقد كان الناس في الأندلس يلتزمونه في ذلك الزمن.

وممن رمى الإمام الشاطبي بهذه التهمة شيخه أبو سعيد ابن لب (٣).


(١) وهذا القول عزاه شارح الطحاوية إلى قوم من المتفلسفة وغالية المتصوفة، محتجِّين بأن المشيئة الإلهية إن اقتضت حصول المطلوب، فلا حاجة إلى الدعاء، وإن لم تقتضه فلا فائدة فيه أيضاً. وقد بين بطلان قولهم بضرورة الدين والعقل والحس والفطرة، وردَّ قولهم بمنع المقدمتين حيث ذكر قسماً ثالثاً وهو أن تقتضيه المشيئة بشرط لا تقتضيه مع عدمه، وقد يكون الدعاء من شرطه، كما توجب الثواب مع العمل الصالح .. ، ثم إنه إذا لم يحصل المطلوب فقد يحصل غيره للسائل من خيري الدنيا والآخرة، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجِّل له دعوته، أو يدَّخِر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها، قالوا: إذاً نُكْثِر، قال: الله أكثر" "المسند" (٣/ ١٨)، وصححه الألباني في تعليقه على "شرح الطحاوية" (ص ٤٦٢)، وانظر: "شرح الطحاوية" (ص ٤٦٠ - ٤٦٢).
(٢) انظر النص المحقق (ص ٢٥).
(٣) انظر كلامه في: "المعيار المعرب" للونشريسي (٦/ ٣٦٩ - ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>