للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسأَلة إِشكال عَظِيمٌ عَلَى أَهل الْبِدَعِ يَعْسُر التخلّص منه (١) فِي إِثبات الصَّغَائِرِ فِيهَا. وَذَلِكَ أَن جَمِيعَ الْبِدَعِ رَاجِعَةٌ إِلى الإِخلال بِالدِّينِ، إِما أَصلاً، وإِما فَرْعًا؛ لأَنها إِنما أُحدثت لتُلْحَقَ بِالْمَشْرُوعِ؛ زِيَادَةً فِيهِ، أَو نُقْصَانًا (٢) مِنْهُ، أَو تَغْيِيرًا لقوانينه (٣)، أَو مَا يَرْجِعُ إِلى ذَلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بمختص بالعبادات دون العادات ـ إِن قلنا بدخولها في العادات (٤) ـ، بل تشمل (٥) الْجَمِيعِ (٦).

وإِذا كَانَتْ بِكُلِّيَّتِهَا إِخلالاً بِالدِّينِ؛ فَهِيَ إِذاً إِخلال بَأَوّل الضَّرُورِيَّاتِ، وَهُوَ الدِّينُ، وَقَدْ أَثبت الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ (٧) أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَقَالَ فِي الفِرَقِ: "كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا وَاحِدَةٌ" (٨)، وَهَذَا (٩) وَعِيدٌ أَيضاً (١٠) لِلْجَمِيعِ عَلَى التَّفْصِيلِ.

هذا وإِن تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُهَا فِي الإِخلال بِالدِّينِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بمُخْرِجٍ لَهَا عَنْ أَن تَكُونَ كَبَائِرَ، كَمَا أَن الْقَوَاعِدَ الْخَمْسَ أَركان الدِّينِ، وَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي التَّرْتِيبِ، فَلَيْسَ الإِخلال بِالشَّهَادَتَيْنِ (١١) كالإِخلال بِالصَّلَاةِ، وَلَا الْإِخْلَالُ بِالصَّلَاةِ كالإِخلال بِالزَّكَاةِ، وَلَا الإِخلال بِالزَّكَاةِ كالإِخلال بِرَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا، مَعَ أن (١٢) الإِخلال بكل واحدٍ (١٣) مِنْهَا كَبِيرَةٌ، فَقَدْ آلَ النَّظَرُ (١٤) إِلى أَن كل بدعة كبيرة.


(١) المثبت من (ت)، وفي باقي النسخ: "عنه" بدل "منه".
(٢) في (ر) و (غ): "أو نقصاً".
(٣) في (خ) و (ت): "لقوافيه" وفي (م): "أو تغيير القوانية".
(٤) في (ت): "في العبادات".
(٥) في (خ): "تمنع" بدل "تشمل"، وعلق عليها رشيد رضا بقوله: لعل هنا كلمة "في" ساقطة. اهـ.
(٦) في (ت): "بل تقع في الجميع".
(٧) تقدم تخريجه صفحة (١٠٨) من المجلد الأول، و (ص٣١٨) من هذا المجلد.
(٨) أخرجه أحمد (٤/ ١٠٢)، وأبو داود (٤٥٩٧)، والدارمي (٢/ ٢٤١) وغيرهم من حديث معاوية رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: حديث صحيح مشهور، وجوّد أسانيده العراقي، وحسّنه الحافظ ابن حجر؛ كما في "السلسلة الصحيحة" (٢٠٤) وانظر (ص١٠٨) من المجلد الأوّل.
(٩) في (ر) و (غ): "وهو".
(١٠) في (ت): "وهذا أيضاً وعيد".
(١١) في (خ) و (م): "في الشهادتين".
(١٢) قوله: "أن" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(١٣) قوله: "واحد" من (ر) و (غ) فقط.
(١٤) في (ر) و (غ): "آل هذا النظر".