للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اسْتِحْسَانًا، أَيْ قِيَاسًا مُسْتَحْسَنًا، وَكَأَنَّهُ/ نَوْعٌ مِنَ الْعَمَلِ بِأَقْوَى الْقِيَاسَيْنِ، وَهُوَ يَظْهَرُ مِنِ اسْتِقْرَاءِ مَسَائِلِهِمْ فِي الِاسْتِحْسَانِ بِحَسَبِ النَّوَازِلِ الْفِقْهِيَّةِ.

بَلْ قَدْ جَاءَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ/ الِاسْتِحْسَانَ تِسْعَةُ أعشار العلم (١). ورواه أَصْبُغُ (٢) عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.

قَالَ أَصْبُغُ فِي الِاسْتِحْسَانِ: قَدْ يَكُونُ أَغْلَبَ مِنَ القياس (٣).

وجاء عن مالك: إن المغرق فِي/ الْقِيَاسِ يَكَادُ يُفَارِقُ السُّنَّةَ (٤).

وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالْمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَ قَبْلُ، وَأَنَّهُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ/ أَوْ أَنَّهُ دَلِيلٌ يَنْقَدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَعَسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكُونُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَلَا أَغْلَبَ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ.

/وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الِاسْتِحْسَانُ إِيثَارُ تَرْكِ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّرَخُّصِ، (لِمُعَارَضَةِ) (٥) مَا يُعَارَضُ بِهِ فِي بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهِ، وقسَّمه أَقْسَامًا عدَّ مِنْهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامِ، وَهِيَ: تَرْكُ الدَّلِيلِ للعرف، وتركه للمصلحة، (وتركه للإجماع) (٦)، وتركه (في اليسير) (٧) لِرَفْعِ الْمَشَقَّةِ (وَإِيثَارِ التَّوْسِعَةِ) (٨).

وحدَّه غَيْرُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ: اسْتِعْمَالُ مَصْلَحَةٍ جُزْئِيَّةٍ فِي مُقَابَلَةِ قِيَاسٍ كُلِّيٍّ. قَالَ: فَهُوَ تَقْدِيمُ الِاسْتِدْلَالِ الْمُرْسَلِ عَلَى الْقِيَاسِ.

وَعَرَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: الِاسْتِحْسَانُ الَّذِي يَكْثُرُ استعماله حتى يكون


(١) أخرجه ابن حزم في الإحكام بسند متصل (٦ ١٦).
(٢) هو أصبغ بن الفرج بن نافع المصري المالكي، تقدمت ترجمته (١/ ٢٦).
(٣) انظر: الإحكام لابن حزم (٦ ١٦).
(٤) لم أجده عن مالك، وقد جعله المصنف من قول أصبغ لا مالكاً كما في الموافقات (٤ ٢١٠).
(٥) في هامش (ت) كتبت: "لمعاوضة".
(٦) زيادة من (غ) و (ر).
(٧) في (ط) و (خ) و (ت): "لليسير".
(٨) في (ت): "وإيثاراً للتوسعة".