للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَيْضًا فَلَوْ رَجَعَ الْحُكْمُ إِلَى مُجَرَّدِ الِاسْتِحْسَانِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنَاظَرَةِ فَائِدَةٌ، لِأَنَّ النَّاسَ تَخْتَلِفُ أَهْوَاؤُهُمْ/ وَأَغْرَاضُهُمْ فِي الْأَطْعِمَةِ، وَالْأَشْرِبَةِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

/وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى مُنَاظَرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، لمَ كَانَ هَذَا الْمَاءُ (أَشْهَى) (١) عِنْدَكَ مِنَ الْآخَرِ؟ وَالشَّرِيعَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ.

عَلَى أَنَّ أَرْبَابَ الْبِدَعِ الْعَمَلِيَّةِ أَكْثَرُهُمْ لَا يُحِبُّونَ أَنْ يُنَاظِرُوا أَحَدًا، وَلَا يُفَاتِحُونَ عَالِمًا وَلَا غَيْرَهُ فِيمَا (يبتدعون) (٢)، خَوْفًا مِنَ الْفَضِيحَةِ أَنْ لَا يَجِدُوا مُسْتَنَدًا شَرْعِيًّا، وَإِنَّمَا شَأْنُهُمْ/ إِذَا وَجَدُوا عَالِمًا أَوْ لَقَوْهُ أَنْ يُصَانِعُوا، وَإِذَا وَجَدُوا جَاهِلًا عَامِّيًّا أَلْقَوْا عَلَيْهِ فِي الشَّرِيعَةِ الطَّاهِرَةِ إِشْكَالَاتٍ، حَتَّى (يزلزلوه) (٣) ويخلطوا (عليه) (٣)، (ويلبسوا) (٤) (دينه) (٣)، فإذا عرفوا (منه) (٣) الحيرة والالتباس ألقوا إليه مِنْ بِدَعِهِمْ عَلَى التَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَذَمُّوا أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا الْمُكِبُّونُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ، وَرُبَّمَا أَوْرَدُوا عَلَيْهِمْ مِنْ كَلَامِ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ شَوَاهِدَ عَلَى مَا يُلْقُونَ (إِلَيْهِمْ) (٣)، حَتَّى يَهْوُوا (بِهِمْ) (٣) فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا أَنْ يَأْتُوا الْأَمْرَ مِنْ بَابِهِ وَيُنَاظِرُوا عَلَيْهِ الْعُلَمَاءَ الرَّاسِخِينَ فَلَا.

وَتَأَمَّلْ مَا نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي اسْتِدْرَاجِ الْبَاطِنِيَّةِ غَيْرَهُمْ إِلَى مَذْهَبِهِمْ، تَجِدُهُمْ لَا يَعْتَمِدُونَ إِلَّا عَلَى خَدِيعَةِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ تَقْرِيرِ عِلْمٍ، وَالتَّحَيُّلِ/ عَلَيْهِمْ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ، حَتَّى يُخْرِجُوهُمْ (عن) (٥) السُّنَّةِ، أَوْ عَنِ الدِّينِ جُمْلَةً، وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لأتيت بكلامه، فطالعه في كتابه:/ (فَضَائِحُ) (٦) الْبَاطِنِيَّةِ (٧).

وَأَمَّا الْحَدُّ الثَّانِي (٨) فَقَدْ رُد بِأَنَّهُ لَوْ فَتَحَ هَذَا الْبَابَ لَبَطَلَتِ الْحُجَجُ وَادَّعَى كُلُّ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، وَاكْتَفَى بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ؛ فَأَلْجَأَ الْخَصْمَ إِلَى الْإِبْطَالِ، وَهَذَا


(١) زيادة من (ط) و (خ). وفي (غ) و (ر): "أطيب".
(٢) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يبتغون".
(٣) في سائر النسخ ما عدا (ت): "جميع الضمائر بالجمع".
(٤) ما بين القوسين ساقط من (غ) و (ر).
(٥) في (ط) و (خ) و (ت): "من".
(٦) في (غ) و (ر): "في فضائح".
(٧) انظر: فضائح الباطنية (ص٢١ ـ ٣٢).
(٨) راجع (ص٤٥).