للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَفَرَتْ بِهِ الْيَهُودُ، وَقَالُوا لِأُمِّهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا، وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى إِلَهًا وَوَلَدًا، وَجَعَلَهُ اللَّهُ رَوْحَهُ وَكَلِمَتَهُ، فَهَدَى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك (١).

ثُمَّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَّفِقِينَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُمُ الاختلاف بحسب القصد الثاني (لا بالقصد) (٢) الأول، فإن الله تعالى (حكم) (٣) بِحِكْمَتِهِ أَنْ تَكُونَ فُرُوعُ هَذِهِ (الْمِلَّةِ) (٤) قَابِلَةً لِلْأَنْظَارِ، وَمَجَالًا لِلظُّنُونِ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ النُّظَّارِ أن النظريات لا يمكن الاتفاق (عليها) (٥) عَادَةً، فَالظَّنِّيَّاتُ/ عَرِيقَةٌ فِي إِمْكَانِ الِاخْتِلَافِ، لَكِنْ فِي الْفُرُوعِ دُونَ الْأُصُولِ، وَفِي الْجُزْئِيَّاتِ دُونَ الْكُلِّيَّاتِ، فَلِذَلِكَ (لَا يَضُرُّ) (٦) هَذَا الِاخْتِلَافُ.

وَقَدْ نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ عَنِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ قَالَ: أَمَّا أَهْلُ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ/ اخْتِلَافًا (يَضُرُّهُمْ) (٧).

يَعْنِي لِأَنَّهُ فِي مسائل الاجتهاد التي لا نص/ فيها يقطع (٨) الْعُذْرِ، بَلْ لَهُمْ فِيهِ أَعْظَمُ الْعُذْرِ، وَمَعَ أَنَّ الشَّارِعَ (لَمَّا عَلِمَ) (٩) أَنَّ هَذَا (النَّوْعَ) (٩) مِنَ الِاخْتِلَافِ وَاقِعٌ، أَتَى فِيهِ بِأَصْلٍ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (١٠)، فكل اختلاف من هذا القبيل


(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٤/ ٢٨٤) برقم (٤٠٦١) ـ طبعة أحمد شاكر ـ قال: حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد ... إلخ، وهذا سند صحيح عن ابن زيد، لكن الأثر عن زيد وليس عن ابنه عبد الرحمن، والأثر أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (٢/ ٣٧٨) برقم (١٩٩٤) عن يونس بن عبد الأعلى قال: أنبأ ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه ... إلخ، وهذا سند صحيح إن شاء الله.
(٢) في (ط) و (خ): "لا بقصد".
(٣) في (م): "حكيم".
(٤) في (غ) و (ر): "الأمة".
(٥) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فيها".
(٦) في (م): "لا يصير". وفي (غ) و (ر): "لا يضير".
(٧) في (م) و (غ) و (ر): "يضيرهم، والأثر تقدم تخريجه (٣/ ٨٨) حاشية (٧).
(٨) في (ط) و (خ): "بقطع".
(٩) ساقط من (غ) و (ر).
(١٠) سورة النساء: الآية (٥٩).