للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَكَاشِفِ الغُمَّة (١)، الَّذِي نَسَخَتْ شَرِيعَتُهُ كُلَّ شَرِيعَةٍ، وَشَمَلَتْ دَعْوَتُهُ كُلَّ أُمَّةٍ، فَلَمْ يبقَ لِأَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ حُجَّتِهِ، وَلَا اسْتَقَامَ لِعَاقِلٍ طَرِيقٌ سِوَى لَاحِبِ (٢) مَحَجَّته (٣)، وَجَمَعَتْ تَحْتَ حِكْمَتِهَا كُلَّ مَعْنًى مُؤْتَلِفٍ، فَلَا يُسْمَعُ بَعْدَ وَضْعِهَا خِلَافُ مُخَالِفٍ، وَلَا قَوْلُ مُخْتَلِفٍ، فَالسَّالِكُ سَبِيلَهَا مَعْدُودٌ فِي الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ، وَالنَّاكِبُ (٤) عَنْهَا مَصْدُودٌ إِلَى الْفِرَقِ الْمُقَصِّرَةِ أَوِ الْفِرَقِ الْغَالِيَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ (٥) الَّذِينَ اهْتَدَوْا بِشَمْسِهِ الْمُنِيرَةِ، وَاقْتَفَوْا آثَارَهُ اللَّائِحَةَ، وَأَنْوَارَهُ الْوَاضِحَةَ وُضُوحَ الظَّهِيرَةِ، وَفَرَّقُوا بِصَوَارِمِ أَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ بَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ فَاجِرَةٍ وَمَبْرُورَةٍ، وَبَيْنَ كُلِّ حُجَّةٍ بَالِغَةٍ وَحُجَّةٍ مُبِيرَةٍ (٦)، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ السبيل، وسائر الْمُنْتَمِينَ إِلَى ذَلِكَ الْقَبِيلِ (٧)، (وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا) (٨).

أما بعد فإني أذاكرك (٩) أَيُّهَا الصَّدِيقُ الْأَوْفَى، وَالْخَالِصَةُ الْأَصْفَى، فِي مُقَدِّمَةٍ يَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ، وَهِيَ مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَدَأَ (١٠) الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بدأ فطوبى (١١)


(١) الغُمَّة: الكربة، ويقال: أمر غمّه أي مبهم ملتبس. الصحاح (٥/ ١٩٩٨)، والمراد: غمّة الجاهلية وظلامها.
(٢) في (ط): "لأحب" بالهمزة، وفي (غ) و (ر): "لاجب" وهو خطأ، واللاحب الطريق الواضح، والتحب فلان محجة الطريق إذا ركبها. لسان العرب لابن منظور (١/ ٧٣٧).
(٣) المحجة بفتحتين: جادة الطريق. الصحاح (١/ ٢٢٨).
(٤) نكب عن الطريق: عدل. ويقال: نكب عنه تنكيباً وتنكب عنه تنكباً، أي مال وعدل. الصحاح للجوهري (١/ ٢٢٨).
(٥) ساقطة من (ت).
(٦) مبيرة أي فاسدة هالكة. انظر لسان العرب (٤/ ٨٦).
(٧) القبيل: الجماعة تكون من الثلاثة فصاعداً من قوم شتّى. الصحاح (٥/ ١٧٩٧).
(٨) ما بين المعكوفين ساقطة من (ت).
(٩) في (ط): "أذكرك".
(١٠) في (ط): "بدئ"، وضبطت الكلمة (في خ وط بضم الباء وكسر الدال)
قال الإمام النووي: "بدأ الإسلام" كذا ضبطناه بدأ بالهمز من الابتداء". انظر صحيح مسلم بشرح النووي (٢/ ١٧٦).
(١١) قال الإمام النووي: "وطوبى فعلى من الطيب قاله الفراء، قال: وإنما جاءت الواو لضمة الطاء، قال: وفيها لغتان، تقول العرب: طوباك وطوبى لك، وأما معنى طوبى =