للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَا يَقْبَلُ الْبُرْهَانَ، وَلَا يَكْتَرِثُ بِمَنْ خَالَفَهُ، وَاعْتَبِرْ ذَلِكَ بِالْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ كَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ (١) وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ (٢) وَسِوَاهُمَا، فَإِنَّهُمْ كَانُوا (حيث لقوا) (٣) مطرودين من كل جهة، (محجوجين على) (٤) كُلِّ لِسَانٍ،/ مُبْعَدِينَ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ، ثُمَّ مع ذلك لم يزدادوا إلا تمادياً (في) (٥) ضَلَالِهِمْ، وَمُدَاوَمَةً عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} (٦).

وحاصل ما عوَّلوا/ عليه تحكيم العقول مجردة، فَشَرَّكُوهَا مَعَ الشَّرْعِ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، ثُمَّ قَصَرُوا أَفْعَالَ اللَّهِ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُمْ وَوَجَّهُوا عَلَيْهَا أَحْكَامَ الْعَقْلِ فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى اللَّهِ كَذَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، فَجَعَلُوهُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لم يبلغ هذا المقدار، بل استحسن (بعقله أشياء) (٧) وَاسْتَقْبَحَ آخَرَ وَأَلْحَقَهَا بِالْمَشْرُوعَاتِ، وَلَكِنَّ الْجَمِيعَ (بَقُوا) (٨) على تحكيم العقول، ولو وقفوا (هنا) (٩) لَكَانَتِ الدَّاهِيَةُ عَلَى عِظَمِهَا أَيْسَرَ، وَلَكِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا هَذِهِ الْحُدُودَ كُلَّهَا إِلَى أَنْ نَصَبُوا الْمُحَارَبَةَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، بِاعْتِرَاضِهِمْ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَادِّعَائِهِمْ عَلَيْهِمَا من التناقض والاختلاف ومنافاة العقول وفساد (النظر) (١٠) ما هم له أهل.

قال (القتبي) (١١): وَقَدْ اعْتَرَضَ (عَلَى) (١٢) كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّعْنِ


(١) تقدمت ترجمته (٣/ ١١٧).
(٢) تقدمت ترجمته (ص١٦٧).
(٣) في (غ) و (ر): "حين نبغوا".
(٤) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "محجوبين عن".
(٥) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "على".
(٦) سورة المائدة: الآية (٤١).
(٧) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "شيئاً يفعله".
(٨) في (غ) و (ر): "بنو".
(٩) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "هنالك".
(١٠) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "النظم".
(١١) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "العتبي"، وهو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت٢٧٦هـ) له ترجمة في تاريخ بغداد (١٠/ ١٧٠)، والسير للذهبي (١٣/ ٢٩٦)، والنص الذي ذكره الشاطبي موجود في تأويل مشكل القرآن (ص٢٢ ـ ٢٣).
(١٢) ساقطة من (غ) و (ر).