للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ *} / إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (١): إِنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْأَرْضَ مَخْلُوقَةٌ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَفِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا *رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا *وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا *وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا *} (٢)، فَصَرَّحَ/ بِأَنَّ الْأَرْضَ مَخْلُوقَةٌ بَعْدَ السَّمَاءِ.

وَمِنْ هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ مَا أَوْرَدَهُ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ ـ أَوْ غَيْرُهُ ـ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَخَرَّجَ الْبُخَارِيُّ (٣) فِي الْمُعَلَّقَاتِ (٤) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ} (٥)، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ *} (٦)،/ {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (٧)، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (٨)، فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا *} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا *} (٩)، فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ـ إِلَى قَوْلِهِ ـ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} ـ إلى قوله ـ {طَائِعِينَ} (١٠)، فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، {عَزِيزًا حَكِيمًا}


(١) سورة فصلت: الآيات (٩ ـ ١٢).
(٢) سورة النازعات: الآيات (٢٧ ـ ٣٠).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب التفسير، في تفسير سورة السجدة، انظر: فتح الباري (٨ ٤١٧ ـ ٤١٨). وبين ما ذكره الشاطبي وما في صحيح البخاري اختلاف في ألفاظ كثيرة، ولكني لم أثبتها، لاحتمال أن يكون الشاطبي اعتمد على نسخة للبخاري غير النسخة المطبوعة لدينا، خاصة وأن لصحيح البخاري نسخاً كثيرة، والله تعالى أعلم.
(٤) ذكره البخاري في البداية معلقاً بقوله: قال المنهال عن سعيد، ثم وصله في نهاية الأثر، حيث قال: حدثنيه يوسف بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بهذا.
(٥) سورة المؤمنون: الآية (١٠١).
(٦) سورة الصافات: الآية (٢٧).
(٧) سورة النساء: الآية (٤٢).
(٨) سورة الأنعام: الآية (٢٣).
(٩) سورة النازعات: الآيات (٢٧ ـ ٣٠).
(١٠) سورة فصلت: الآيات (٩ ـ ١٢).