للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ تَبَيَّنَ بِهَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الْبِدَعَ لَا تَدْخُلُ فِي الْعَادَاتِ (١)، فَكُلُّ مَا اخْتُرِعَ مِنَ الطُّرُقِ فِي الدِّينِ مِمَّا يُضَاهِي الْمَشْرُوعَ، وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّعَبُّدُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ، كَالْمَغَارِمِ الْمُلْزَمَةِ (٢) عَلَى الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا عَلَى نِسْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَقَدْرٍ مَخْصُوصٍ مِمَّا يُشْبِهُ فَرْضَ الزَّكَوَاتِ (٣)، وَلَمْ يَكُنْ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ (٤)، وَكَذَلِكَ اتِّخَاذُ الْمَنَاخِلِ، وَغَسْلُ الْيَدِ بِالْأُشْنَانِ (٥)، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ (٦) قَبْلُ، فَإِنَّهَا لا تسمى بدعاً على إحدى الطريقتين.


= حَتَّى أَبْتَدِعَ لَهُمْ غَيْرَهُ، فَإِيَّاكُمْ وَمَا ابْتُدِعَ، فَإِنَّ مَا ابتُدِعَ ضَلَالَةٌ، وَأُحَذِّرُكُمْ زَيْغَةَ الْحَكِيمِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الضَّلَالَةِ عَلَى لِسَانِ الْحَكِيمِ، وَقَدْ يَقُولُ الْمُنَافِقُ كَلِمَةَ الْحَقِّ، قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وَأَنَّ الْمُنَافِقَ قَدْ يَقُولُ كَلِمَةَ الْحَقِّ؟ قَالَ: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه، ولا يثنيك ذَلِكَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ لَعَلَّهُ أَنْ يُرَاجِعَ، وَتَلَقَّ الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً، (٤/ ٢٠١). ورواه الإمام الدارمي في المقدمة من سننه، باب تغير الزمان وما يحدث فيه مع اختلاف يسير (١/ ٧٨)، وأخرجه ابن وضاح في البدع والنهي عنها بلفظ مختصر قريب من لفظ المؤلف (ص٣٢)، وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢/ ١١١)، وأخرجه اللالكائي في أصول الاعتقاد بلفظين متقاربين (١/ ٨٨)، وأخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (١/ ٣٠٨)، وأخرجه الآجري في الشريعة بلفظين (ص٤٧، ٤٨)، وأخرجه أبو نعيم في الحلية عند ترجمة معاذ رضي الله عنه (١/ ٢٣٢).
(١) في (غ): "العبادات".
(٢) في (غ) و (ر): "الملتزمة".
(٣) في (ت): "الزكاة".
(٤) يرى المؤلف جواز أخذ هذه المغارم من الناس عند الضرورة، كخلو بيت المال، مع ارتفاع حاجة الجند إلى ما يكفيهم، فللإمام إذا كان عدلاً أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافياً لهم في الحال، إلى أن يظهر مال بيت المال، وذلك لسدّ الثغور، وحماية الملك المتّسع الأقطار. وقد كانت بلاد الأندلس في زمن المؤلف في حالة خطيرة وحاجة شديدة، لقرب العدوّ، وضعف المسلمين، وبعد ديار المسلمين عنهم. انظر ما قاله المؤلف في الباب الثامن (٢/ ١٢١).
وأمّا إن لم يكن هناك ضرورة، فلا يرى هذا بدعة وإنما يراه معصية وظلماً، ولكن إن فشا وصار معمولاً به كالزكاة المشروعة فيراه بدعة، انظر قوله في الباب السابع (٢/ ٨٠).
(٥) الأشنان والإشنان من الحمض، الذي يغسل به الأيدي. لسان العرب (١٣/ ١٨).
(٦) في (م): "لم يكن".