للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَمْ يَتَّسِمْ (١) أَفَاضِلُهُمْ (٢) فِي عَصْرِهِمْ بَاسِمِ عَلَمٍ (٣) سوى الصحبة، إذ لافضيلة فَوْقَهَا، ثُمَّ سُمي (٤) مَنْ يَلِيهِمُ التَّابِعِينَ وَرَأَوْا هَذَا الِاسْمَ أَشْرَفَ الْأَسْمَاءِ، ثُمَّ قِيلَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ وَتَبَايَنَتِ الْمَرَاتِبُ، فَقِيلَ لِخَوَاصِّ النَّاسِ مِمَّنْ لَهُ شِدَّةُ عناية بأمر الدِّينِ (٥): الزُّهَّادُ وَالْعُبَّادُ.

قَالَ: ثُمَّ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ، وَادَّعَى (٦) كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّ فِيهِمْ زُهَّادًا وَعُبَّادًا، فانفرد خواص (٧) أهل السنة، المراعون أنفاسهم (٨) مَعَ اللَّهِ، الْحَافِظُونَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْغَفْلَةِ بِاسْمِ التَّصَوُّفِ (٩).

هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ، فَقَدْ عَدَّ هَذَا اللقب (١٠) لهم مَخْصُوصًا بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَمُبَايَنَةِ الْبِدْعَةِ. وَفِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْجُهَّالُ وَمَنْ لَا عِبْرَةَ بِهِ مِنَ الْمُدَّعِينَ لِلْعِلْمِ.

وَفِي غَرَضِي إِنْ فَسَحَ اللَّهُ فِي الْمُدَّةِ، وَأَعَانَنِي بِفَضْلِهِ، وَيَسَّرَ لِيَ الْأَسْبَابَ أَنْ أُلَخِّصَ في طريق الْقَوْمِ أُنْمُوذَجًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّتِهَا وَجَرَيَانِهَا


(١) في (خ): "يتهم".
(٢) في (ت): "فاضلهم".
(٣) في (خ): "عمهم".
(٤) في (ت): "سموا".
(٥) في جميع النسخ "من الدين" عدا (غ) و (ر) والمثبت هو الصواب الموافق لما في الرسالة للقشيري.
(٦) في (ت): "فادعى".
(٧) ساقطة من (ت).
(٨) في جميع النسخ "أنفسهم" عدا (غ) و (ر)، والمثبت هو الصواب الموافق لما في الرسالة للقشيري.
(٩) انظر: قوله في الرسالة القشيرية (ص٩)، وكلامه هنا غير مسلم، فإن الصوفية ليسوا هم أهل السنة، دعك من قوله خواص أهل السنة، بل إن فيهم مبتدعة ضلال، خارجون عن السنة وأهلها، كابن عربي الضال، وهم مع ذلك فيهم من هو من أهل السنة، ومن أهل الفضل والعبادة، سيما المتقدمون من شيوخهم كالفضيل بن عياض وغيره، وما وقع لأئمة الصوفية من الفضل والصلاح، فإنما هو بسبب اتباع السنة، والتزام أحكام الشريعة، وتقوى الله، لا بسبب التصوف وسوف ينقل المؤلف عن جملة منهم الحث على اتباع السنة، والتزام الشريعة، ليستدل بذلك على من ضل منهم.
(١٠) ساقطة من (ط).