للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَاحِلَتَهُ حَتَّى تَعْقِدَ شَحْمًا، ثُمَّ يَسِيرُ عَلَيْهَا فِي الْأَمْصَارِ حَتَّى تَعُودَ نِقْضاً (١)، يَلْتَمِسُ مَنْ يُفْتِيهِ بِسُّنَّةٍ قَدْ عَمِلَ بِهَا، فَلَا يَجِدُ إِلَّا مَنْ يُفْتِيهِ بِالظَّنِّ) (٢).

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّأْيِ الْمَقْصُودِ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ.

فَقَدْ (٣) قَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُرَادُ بِهِ رَأْيُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُخَالِفِينَ لِلسُّنَنِ، لَكِنْ فِي الِاعْتِقَادِ كَمَذْهَبِ جَهْمٍ (٤) وَسَائِرِ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْكَلَامِ، لِأَنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا آرَاءَهُمْ فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنِ (٥) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ وَفِي رَدِّ ظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ لِغَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ الرَّدَّ وَيَقْتَضِي التَّأْوِيلَ، كما قالوا بنفي الرؤية رداً (٦) للظاهر (٧) بالمحتملات (٨)، ونفي


(١) النِقْض، بالكسر: البعير الذي أنضاه السفر، وكذلك الناقة، قال السيرافي: كأن السفر نقض بنيته، انظر لسان العرب (٧/ ٢٤٣).
(٢) رواه عنه الإمام ابن وضاح في البدع والنهي عنها (ص٩٠)، والإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (١/ ١٥٥).
(٣) ساقطة من (غ) و (ر).
(٤) هو جهم بن صفوان أبو محرز الراسبي السمرقندي، أسّ الضلالة، ورأس الجهمية تتلمذ على الجعد بن درهم المبتدع، وكان كاتباً للحارث بن سريج، وخرج معه على الأمويين فقتلا بمرو سنة ١٢٨هـ، ومن ضلالاته، نفي صفات الله، والقول بالجبر، والقول بفناء الجنة والنار.
انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (٦/ ٢٦)، الفرق بين الفرق للبغدادي (ص١٥٨) الملل والنحل للشهرستاني (ص٨٦).
(٥) في (خ): "على".
(٦) المثبت من (غ)، وفي بقية النسخ "نفياً".
(٧) غير واضحة في (ت).
(٨) وذلك مثل تأويلهم للنظر بالانتظار في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة: ٢٢ ـ ٢٣)، مع أن دلالة الآية ظاهرة في أن المراد هو النظر بالعين حقيقة، قال الإمام ابن أبي العز في شرح الطحاوية: "وإضافة النظر إلى الوجه، الذي هو محله، في هذه الآية، وتعديته بأداة "إلى" الصريحة في نظر العين، وإخلاء الكلام من قرينة تدل على خلافه حقيقة موضوعة صريحة في أن الله أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله". انظر شرح الطحاوية (ص١٨٩).
والذين قالوا بنفي رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة هم الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية والمرجئة. وقولهم مخالف للكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة الدين. وانظر في أدلة أهل السنة وردهم على المبتدعة أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (٣/ ٤٥٤)، والشريعة للآجري (ص٢٥١)، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (ص١٨٨)، ومختصر الصواعق المرسلة لابن القيم (٢/ ٣٥٣)، وفتح الباري لابن حجر (١٣/ ٤٢٦)، ورؤية الله تعالى (للدكتور أحمد الناصر).