للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَذُمُّهُ، وَيَذُمُّ مَنْ تَعَمَّقَ فِيهِ، فَقَدْ كَانَ يُنْحَى (١) عَلَى (٢) أَهْلِ الْعِرَاقِ لِكَثْرَةِ تَصَرُّفِهِمْ بِهِ فِي الْأَحْكَامِ، فَحُكِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَشْيَاءَ مِنْ أَخَفِّهَا قَوْلُهُ: "الِاسْتِحْسَانُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ الْعِلْمِ، وَلَا يَكَادُ الْمُغْرِقُ (٣) فِي الْقِيَاسِ إِلَّا يُفَارِقُ السُّنَّةَ" (٤).

وَالْآثَارُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَيْسَتْ عِنْدَ مَالِكٍ مَخْصُوصَةٌ بِالرَّأْيِ فِي الِاعْتِقَادِ. فَهَذِهِ كُلُّهُا تَشْدِيدَاتٌ فِي الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ جَارِيًا عَلَى الْأُصُولِ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الرَّأْيِ غَيْرِ الْجَارِي عَلَى أَصْلٍ.

وَلِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ هُنَا كَلَامٌ كَثِيرٌ كَرِهْنَا الْإِتْيَانَ بِهِ (٥).

وَالْحَاصِلُ مِنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّأْيَ الْمَذْمُومَ مَا بُنِيَ عَلَى الجهل واتباع الهوى من غير أصل (٦) يُرْجَعَ إِلَيْهِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ ذَرِيعَةً إِلَيْهِ وإن كان في أصله محموداً، وذلك (عند الإكثار منه والاشتغال به عن النظر في الأصول، وما سواه فهو محمود لأنه) (٧) رَاجِعٌ إِلَى أَصْلٍ شَرْعِيٍّ، فَالْأَوَّلُ دَاخِلٌ تَحْتَ حَدِّ الْبِدْعَةِ، وَتَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الذَّمِّ، وَالثَّانِي خارج عنه ولا يكون بدعة أبداً.


(١) في (ت): "يلحى".
(٢) ساقطة من (غ).
(٣) في (ت): "المستغرق".
(٤) روى الشطر الأول من قوله الإمام ابن حزم في الإحكام (٦/ ١٦)، وأما الجزء الثاني فلم أجده، وقد ذكره المؤلف في الباب الثامن (٢/ ١٣٨) من المطبوع.
(٥) ولعل المؤلف يريد ما نقله ابن عبد البر عن مالك في ذم أبي حنيفة. انظر جامع بيان العلم (٢/ ١٤٧)، ولكن الإمام ابن عبد البر عاد فتكلم عن أبي حنيفة بكلام منصف. (٢/ ١٤٨ ـ ١٥٠).
(٦) في جميع النسخ "أن" عدا (غ).
(٧) ما بين المعكوفين ساقط من جميع النسخ عدا (غ).