للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ظَاهِرُهُ، وَصَلُحَ بَاطِنُهُ، مَا سُمِعَ بِهَذَا (١) قَطُّ، وَلَا عُلِمَ بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لمن كان (٢) له فساد في (٣) العقل (٤)، أَوْ إِصْرَارٌ عَلَى الْكَبَائِرِ، وَإِقْدَامٌ عَلَى الْعَظَائِمِ، أَوْ لِمَنْ كَانَ مُسْتَقِيمًا ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ، وخرج عن سننه، وأخذ في غَيْرِ طَرِيقِهِ (٥)، فَيَكُونُ عَمَلُهُ ذَلِكَ سَبَبًا لِسُوءِ خَاتِمَتِهِ، وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (٦)).

وَقَدْ سَمِعْتُ بِقِصَّةِ بَلْعَامَ بْنِ بَاعُورَاءَ (٧) حَيْثُ آتَاهُ اللَّهُ آيَاتِهِ فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ، إلى آخر الآية (٨).

فهذا ظاهر إذا اعتبرنا البدعة (٩) من حيث هي معصية، فإن (١٠) نَظَرْنَا إِلَى كَوْنِهَا بِدْعَةً، فَذَلِكَ أَعْظَمُ، لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ ـ مَعَ كَوْنِهِ مُصِرًّا عَلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ ـ يَزِيدُ عَلَى الْمُصِرِّ بِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلشَّرِيعَةِ بِعَقْلِهِ، غَيْرُ مُسَلِّمٍ لَهَا فِي تَحْصِيلِ أَمْرِهِ، مُعْتَقِدًا فِي الْمَعْصِيَةِ أَنَّهَا طَاعَةٌ، حَيْثُ حَسَّنَ مَا قَبَّحَهُ الشَّارِعُ، وَفِي الطَّاعَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ طَاعَةً إِلَّا بِضَمِيمَةِ نَظَرِهِ، فَهُوَ قَدْ قَبَّحَ مَا حَسَّنَهُ الشَّارِعُ، وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَحَقِيقٌ بِالْقُرْبِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي جُمْلَةِ مَنْ (١١) ذَمَّ: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ *} (١٢)، والمكر جلب السوء من


=التصانيف، وله الأحكام الصغرى والوسطى والكبرى، وكتاب العاقبة في الزهد وغيرها. مات سنة ٥٨١هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (٢١/ ٩٨)، شذرات الذهب (٤/ ٢٧١)، العبر (٤/ ٢٤٣).
(١) في (ت): "هذا".
(٢) ساقطة من (ت).
(٣) غير واضحة في (ت).
(٤) في (م): العقد.
(٥) في (ط): "في طريق غير طريقه". وكلمة طريق الأولى كتبت في هامش (خ).
(٦) سورة الرعد: آية (١١).
(٧) انظر: خبره في تفسير الإمام ابن كثير عند الآية (٢/ ٤١٩ ـ ٤٢٢)، وقد ذكر عدة روايات في شأنه.
(٨) سورة الأعراف: آيات (١٧٥ ـ ١٧٦).
(٩) في (م) و (خ) و (ط) و (ت): "اغتر بالبدعة" والصواب المثبت.
(١٠) في (ط): "فإذا".
(١١) في (ت) و (ر): "ممن".
(١٢) سورة الأعراف: آية (٩٩).