للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ (١) قَالَ: (لَا تُجَالِسُوا أَصْحَابَ الْأَهْوَاءِ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ، فَإِنِّي (٢) أَخَافُ أَنْ (٣) تَرْتَدَّ قُلُوبُكُمْ) (٤).

وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. وَيُعَضِّدُهَا مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ" (٥).

وَوَجْهُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مُنَبَّهٌ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ أَبِي قِلَابَةَ، إِذْ قَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ عَلَى يَقِينٍ (٦) مِنْ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ السُّنَّةِ، فَيُلْقِي لَهُ صَاحِبُ الْهَوَى فِيهِ (٧) هَوًى مِمَّا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ لَا أَصْلَ لَهُ، أَوْ يَزِيدُ لَهُ فِيهِ قَيْدًا مِنْ رَأْيِهِ فَيَقْبَلُهُ قَلْبُهُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ يَعْرِفُهُ، وَجَدَهُ مُظْلِمًا، فَإِمَّا أَنْ يَشْعُرَ بِهِ فَيَرُدَّهُ بِالْعِلْمِ، أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَشْعُرَ بِهِ فَيَمْضِيَ مَعَ مَنْ هَلَكَ.

قَالَ ابْنُ وهب: سمعت (٨) مَالِكًا إِذْ جَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ يَقُولُ: "أَمَّا أَنَا فَعَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَأَمَّا (٩) أَنْتَ فَشَاكٌّ، فَاذْهَبْ إِلَى شَاكٍّ مِثْلِكَ فَخَاصِمْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} (١٠) الآية" (١١).

فَهَذَا شَأْنُ مَنْ تَقَدَّمَ، مِنْ عَدَمِ تَمْكِينِ زائغ القلب أن يُسمع كلامه.


(١) هو النخعي. تقدمت ترجمته (ص١٤٩).
(٢) في (خ) و (ت) و (ط): "إذا".
(٣) ساقطة من (م).
(٤) تقدم تخريجه (ص١٤٩).
(٥) رواه الإمام أبو داود في كتاب الأدب من سننه، باب من يؤمر أن يجالس، عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: "الرجل على دين خليله" تحت رقم (٤٨٣٣)، (٤/ ٢٦١)، والإمام الترمذي في كتاب الزهد من سننه، برقم (٢٣٧٨)، (٤/ ٥٠٩)، والإمام أحمد في المسند (٢/ ٣٠٣، ٣٣٤)، والحاكم في المستدرك (٤/ ١٧١)، والإمام ابن بطة في الإبانة الكبرى (٢/ ٤٣١، ٤٣٢)، والإمام أبو نعيم في الحلية (٣/ ١٦٥)، وقد حسنه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة تحت رقم (٩٢٧)، (٢/ ٦٣٣).
(٦) غير واضحة في (ت).
(٧) ساقطة من (ت).
(٨) هكذا في (ر)، وفي بقية النسخ: "وسمعت".
(٩) ساقطة من (م).
(١٠) سورة يوسف: آية (١٠٨).
(١١) ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك (١/ ١٧٢)، ورواه الإمام ابن بطة في الإنابة الكبرى (١/ ٤٠٤)، وذكره أيضاً في الإبابة الصغرى (ص١٥١)، ورواه أبو نعيم في الحلية (٦/ ٣٢٤)، وذكره ابن أبي زيد القيرواني في الجامع (ص١٢٥)، والجميع لم يذكر استشهاده بالآية سوى القاضي عياض.