للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَأَمَّا كَوْنُهُ غَيْرَ ضَالِّ فَلِأَنَّهُ عَلَى الْجَادَّةِ سَلَكَ، وَإِلَيْهَا (١) لَجَأَ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا يَوْمًا فَأَخْطَأَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ (٢)، بَلْ يَكُونُ مَأْجُورًا حَسْبَمَا بَيَّنَهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: "إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ، وَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ" (٣)، وَإِنْ خَرَجَ مُتَعَمِّدًا فَلَيْسَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ خُرُوجَهُ طَرِيقًا مَسْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَشَرْعًا يُدَانُ بِهِ.

عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الذَّنْبُ مَوْقِعَ الِاقْتِدَاءِ قَدْ يُسَمَّى اسْتِنَانًا، فَيُعَامَلُ مُعَامَلَةُ مَنْ سَنَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "مَنْ سن سنة سيئة كان عليها وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا" (٤) الْحَدِيثَ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: "مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ (٥) كِفْلٌ مِنْهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ" (٦)، فَسُمِّيَ الْقَتْلُ سُنَّةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ عَمِلَ بِهِ عَمَلًا يُقْتَدَى بِهِ فِيهِ، لَكِنَّهُ لَا يُسَمَّى بِدْعَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ عَلَى أَنْ يَكُونَ تَشْرِيعًا، وَلَا يُسَمَّى ضَلَالًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَرِيقِ (٧) الْمَشْرُوعِ أَوْ فِي مُضَاهَاتِهِ لَهُ. وَهَذَا تَقْرِيرٌ وَاضِحٌ يَشْهَدُ لَهُ الْوَاقِعُ فِي تَسْمِيَةِ (٨) الْبِدَعِ ضَلَالَاتٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا أَحْوَالُ مَنْ تَقَدَّمَ قَبْلَ


(١) في (م) و (ت): "وإليه".
(٢) ساقطة من (غ) و (ر).
(٣) رواه الإمام البخاري في كتاب الاعتصام من صحيحه، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (١٣/ ٣١٨ مع الفتح)، والإمام مسلم في كتاب الأقضية من صحيحه، باب بيان أجر الحاكم، عن عمرو بن العاص، بلفظ البخاري (١٢/ ١٣)، والإمام أبو داود في كتاب الأقضية من سننه، باب في القاضي يخطئ، وذكره تحت رقم (٣٥٧٤)، (٣/ ٢٩٧ ـ ٢٩٨)، والإمام ابن ماجه في كتاب الأحكام من سننه، باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق، تحت رقم (٢٣١٤)، (٢/ ٧٧٦)، والإمام أحمد في المسند (٤/ ١٩٨ ـ ٤٠٢)، كلهم يرويه عن عمرو بن العاص بنحو لفظ البخاري ورواه أحمد عنه بلفظ آخر (٢/ ١٨٧، ٢٠٥)، وقد رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة في كتاب الأحكام من سننه، باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطىء، ولفظه قريب من لفظ البخاري المتقدم (١٣٢٦)، (٣/ ٦١٥)، ورواه عنه الإمام النسائي أيضاً في كتاب آداب القضاة من سننه، باب الإصابة في الحكم (٨/ ٢٢٣ ـ ٢٢٤).
(٤) تقدم تخريجه (ص١١٨).
(٥) ساقطة من (غ) و (ر).
(٦) تقدم تخريجه (ص٢٣٠).
(٧) في (غ) و (ر): "ليس بحيرة في طريق".
(٨) في (م) و (ت): "نسبة".