للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَرَجَّحُوا الْمُتَشَابِهَ عَلَى الْمُحْكَمِ، وَنَاصَبُوا بِالْخِلَافِ السَّوَادَ الأعظم.

وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَصِحَّ بِمِسْبَارِ (١) الْعِلْمِ أَنَّهُ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَهُوَ الْحَرِيُّ بِاسْتِنْبَاطِ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ كَمَا تَقَدَّمَ، إِذْ قَدِ اجْتَمَعَ لَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْهَوَى الْبَاعِثُ عَلَيْهِ في الأصل، وهوى (٢) التَّبَعِيَّةُ، إِذْ قَدْ (٣) تَحْصُلُ لَهُ مَرْتَبَةُ الْإِمَامَةِ وَالِاقْتِدَاءِ، وَلِلنَّفْسِ (٤) فِيهَا مِنَ اللَّذَّةِ مَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ يَعْسُرُ خُرُوجُ حُبِّ الرِّئَاسَةِ مِنَ الْقَلْبِ إِذَا انْفَرَدَ، حَتَّى قَالَ الصُّوفِيَّةُ: (حب الرئاسة آخر ما يخرج من رؤوس (٥) الصِّدِّيقِينَ)، فَكَيْفَ (٦) إِذَا انْضَافَ إِلَيْهِ الْهَوَى مِنْ أَصْلٍ، وَانْضَافَ إِلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ دَلِيلٌ ـ فِي ظَنِّهِ ـ شَرْعِيٌّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، فيتمكن (٧) الهوى من القلب (٨) (٩) تَمَكُّنًا لَا يُمْكِنُ فِي الْعَادَةِ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ، وَجَرَى مِنْهُ مَجْرَى الكَلَبِ (١٠) مِنْ صَاحِبِهِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْفِرَقِ (١١). فَهَذَا النَّوْعُ ظَاهِرٌ أَنَّهُ آثِمٌ فِي ابْتِدَاعِهِ إِثْمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ أَنَّ الْإِمَامِيَّةَ مِنَ الشِّيعَةِ (١٢) تَذْهَبُ إِلَى وَضْعِ خَلِيفَةٍ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَزَعُمُ أَنَّهُ مِثْلُ النبي في العصمة، بناء على أصل لهم متوهم،


=مثالاً لمن يتوب من البدع، وهنا على العكس، وقد تاب عدد كبير منهم بعد هذه المناظرة، فالمؤلف جعل التائبين منهم مثالاً على إمكان توبة المبتدع إذا كانت بدعته بسبب اجتهاد خاطئ، كما جعل المعرضين منهم مثالاً على عدم إمكان توبة المبتدع إذا اتبع هواه وعارض الأدلة.
(١) ساقطة من (ت). والمسبار هو ما يسبر به الجرح.
انظر: الصحاح (٢/ ٦٧٥).
(٢) في (خ) و (ط): "وهو".
(٣) ساقطة من (غ) و (ر).
(٤) في (خ) و (ط): "والنفس".
(٥) في (ط): "قلوب".
(٦) في (ط): "فكيك".
(٧) في (خ) و (ت) و (ط): "فيمكن".
(٨) في (ط): "قلبه".
(٩) كتب في (م) في هذا الموضع: "إذا انفرد حتى قال الصوفية" وهي إعادة من الناسخ لبعض ما تقدم.
(١٠) تقدم بيان المراد به (ص٢٣٥) ..
(١١) تقدم الحديث وتخريجه (ص٢٣٥).
(١٢) تقدم التعريف بهم (ص٢٣).