للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليجتمع (١) فِيهَا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْقَطِعَ (٢) إِلَى اللَّهِ، وَيَلْتَزِمَ الْعِبَادَةَ، وَيَتَجَرَّدَ عَنِ الدُّنْيَا وَالشُّغْلِ بِهَا، وَذَلِكَ كَانَ شَأْنُ الْأَوْلِيَاءِ أَنْ (٣) يَنْقَطِعُوا (٤) عَنِ النَّاسِ، وَيَشْتَغِلُوا (٥) بِإِصْلَاحِ بَوَاطِنِهِمْ، وَيُوَلُّوا (٦) وُجُوهَهُمْ شَطْرَ الْحَقِّ، فَهُمْ عَلَى سِيرَةِ مَنْ تَقَدَّمَ. وَإِنَّمَا يُسَمَّى ذَلِكَ بِدْعَةً بِاعْتِبَارٍ مَا، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ، وَأَهْلُهَا مُتَّبِعُونَ لِلسُّنَّةِ، فَهِيَ طَرِيقَةٌ خَاصَّةٌ لأناس خاصة (٧)، وَلِذَلِكَ لَمَّا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ: فِي (٨) كَمْ تَجِبُ الزَّكَاةُ؟ قَالَ (٩): عَلَى مَذْهَبِنَا أَمْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ؟ ثُمَّ قَالَ: (أَمَّا عَلَى مَذْهَبِنَا فَالْكُلُّ لِلَّهِ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَكَذَا وَكَذَا، أَوْ كَمَا قَالَ. وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ هَكَذَا غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ، وَلَا مُنَزَّلَةٍ عَلَى الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَلَا عَلَى أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.

وَلَا بُدَّ مِنْ بَسْطِ طَرْفٍ مِنَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَوْلِ اللَّهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْحَقُّ فِيهَا لِمَنْ أَنْصَفَ، وَلَمْ يُغَالِطْ نَفْسَهُ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَذَلِكَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَتِ الْهِجْرَةُ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ بِاللَّهِ (١٠)، مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّةَ (١١) أَوْ غَيْرِهَا، فَكَانَ مِنْهُمْ مَنِ احْتَالَ عَلَى نَفْسِهِ، فهاجر بماله أو بشيء (١٢) مِنْهُ، فَاسْتَعَانَ بِهِ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فِي حِرْفَتِهِ الَّتِي كَانَ يَحْتَرِفُ مِنْ تِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، كَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ هَاجَرَ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَكَانَ خَمْسَةَ آلَافٍ (أو ستة آلاف) (١٣).


(١) في (خ) و (ط): "يجتمع".
(٢) في (خ) و (ط): "الانقطاع".
(٣) ساقطة من (خ) و (ت) و (ط).
(٤) في (ط): "ينقطعون"، وقد كتب هكذا مع الأفعال بعده بناء على أن أداة النصب غير موجودة.
(٥) في (ط): "ويشتغلون".
(٦) في (ط): "ويولون".
(٧) ساقطة من (ط).
(٨) في (م) و (ت): "فيم"، وفي (خ): "فيما".
(٩) في (خ) و (ت) و (غ) و (ر): "فقال".
(١٠) في (غ) و (ر): "إليه".
(١١) في (غ): "مكة" بدون الباء.
(١٢) في (خ) و (ط): "شيء".
(١٣) ما بين المعكوفين ساقط من (م) و (خ) و (ت) و (ط).