للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذَلِكَ أَخْذُهُمْ عَلَى الْمُرِيدِ أَنْ يُقَلِّلَ مِنْ غِذَائِهِ، لَكِنْ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ (١)، لَا مَرَّةً (٢) وَاحِدَةً (٣)، وَأَنْ يُدِيمَ الْجُوعَ وَالصِّيَامَ، وَأَنْ يترك التزوج (٤) ما دام في سلوكه، ويعد (٥) ذلك (٦) كُلُّهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ التَّشْرِيعِ، بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالتَّبَتُّلِ الَّذِي رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ، حَتَّى قَالَ: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (٧).

وَإِذَا تؤمل (٨) مَا ذَكَرُوهُ فِي شَأْنِ التَّدْرِيجِ فِي تَرْكِ الغذاء (٩) وُجد (١٠) غَيْرَ مَعْهُودٍ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ، وَالْقَرْنِ الْأَفْضَلِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَشْيَاءُ أَلْزَمُوهَا الْمُرِيدَ حَالَةَ السَّمَاعِ، مِنْ طَرْحِ الْخَرْقِ، وَأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمُرِيدِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي شَيْءٍ خَرَجَ عَنْهُ (١١)، أَلْبَتَّةَ، إِلَّا أَنْ يُشِيرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ بِالرُّجُوعِ فِيهِ، فَلْيَأْخُذْهُ (١٢) عَلَى نِيَّةِ الْعَارِيَّةِ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوحِشَ قَلْبَ الشَّيْخِ (١٣)، إِلَى أَشْيَاءَ اخْتَرَعُوهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُهَا فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ، وذلك من نتائج مجالس (١٤) السماع الذي اعتادوه (١٥).

وَالسَّمَاعُ فِي طَرِيقَةِ التَّصَوُّفِ لَيْسَ مِنْهَا، لَا بِالْأَصْلِ وَلَا بِالتَّبَعِ، وَلَا اسْتَعْمَلَهُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ مِمَّنْ يُشَارُ إِلَيْهِ حَاذِيًا (١٦) فِي طَرِيقِ الخير، وإنما


(١) في (ط): "من" بدون الواو.
(٢) انظر: هذا الكلام في باب الوصية للمريدين من رسالة القشيري (ص٢١٤).
(٣) في (غ) و (ر): "لا بمرة".
(٤) ساقطة من (غ).
(٥) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "التزويج".
(٦) في (م) و (غ) و (ر): "بعد".
(٧) في (م) و (غ) و (ر): "وذلك"، وفي (ت): "ذاك".
(٨) تقدم تخريجه الحديث (ص٥٨).
(٩) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "تأمل".
(١٠) في (خ): "العقد بل الغذاء" وتقدم نظيره.
(١١) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "وجده".
(١٢) في (ر): "منه".
(١٣) في (م): "فليأخذ".
(١٤) انظر: هذا الكلام في باب الوصية للمريدين من رسالة القشيري (ص٢١٧).
(١٥) في (غ): "مسائل".
(١٦) في (م) و (خ) و (ت) و (ط): "اعتمدوه".
(١٧) في (م) و (ت) و (غ): "حادياً".