للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يحصل به مقصود على حال، فما ظنك به إِذا اتبعه (١) ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ؟ وَهَكَذَا الْمُحْكَمُ إِذا اتَّبَعَهُ ابتغاءَ الْفِتْنَةِ بِهِ. فَكَثِيرًا مَا تَرَى الْجُهَّالَ يَحْتَجُّونَ لأَنفسهم بأَدلة فَاسِدَةٍ، وبأَدلة صَحِيحَةٍ اقْتِصَارًا بِالنَّظَرِ عَلَى دَلِيلٍ مَا، واطِّراحاً لِلنَّظَرِ فِي غيرهِ من الأدلة الأُصولية، أو الفروعية (٢) الْعَاضِدَةِ لِنَظَرِهِ، أَو الْمُعَارَضَةِ لَهُ.

وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يدَّعي الْعِلْمَ يَتَّخِذُ هَذَا الطَّرِيقَ مَسْلَكًا، وَرُبَّمَا أَفتى بِمُقْتَضَاهُ، وَعَمِلَ عَلَى وَفْقِهِ إِذا كَانَ له فيه غرض (٣).

وأَعرف مَنْ عَرَضَ لَهُ غَرَضٌ (٤) فِي الْفُتْيَا؛ بِجَوَازِ (٥) تَنْفِيلِ الإِمام الْجَيْشَ جَمِيعَ مَا غَنِمُوا عَلَى طَرِيقَةِ "مَنْ عَزَّ بَزَّ" (٦)، لَا طَرِيقَةَ الشَّرْعِ، بناء على نقل عن (٧) بعض العلماء: "أَنه يجيز (٨) تَنْفِيلُ السَّرِيَّةِ جَمِيعَ مَا غَنِمَتْ" (٩) ثُمَّ عَزَا ذَلِكَ ـ وَهُوَ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ ـ إِلى مَالِكٍ؛ حَيْثُ قَالَ فِي كَلَامٍ رُوِيَ عَنْهُ (١٠): "مَا نَفَلَ الإِمام فَهُوَ جَائِزٌ"، فأَخذ هَذِهِ الْعِبَارَةَ نَصًّا عَلَى جَوَازِ تَنْفِيلِ الإِمام الْجَيْشَ جَمِيعَ مَا غنم، ولم يلتفت في النَّقْل (١١) إِلى أَن السَّرِيَّةَ هِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْجَيْشِ الداخل (١٢) لبلاد العدو تُغير (١٣) على العدو،


(١) في (خ) و (م): "اتبع".
(٢) في (خ) و (م): "والفروعية".
(٣) في (ر): "عرض" بالعين.
(٤) في (خ): "أو أعرض عن غرض له عرض"، وفي (م): "وأعرض" بدل "وأعرف".
(٥) في (خ) يشبه أن تكون: "كجواز".
(٦) هذا مثل تقوله العرب، ومعناه: من غلب سلب. انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (٢/ ٣٠٧)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (٣/ ٢٠٤).
(٧) قوله: "عن" ليس في (خ) و (م).
(٨) في (خ): "يجوز".
(٩) قال النووي في "شرح مسلم" (١٢/ ٥٥): "وأجاز النخعي أن تنفل السرية جميع ما غنمت دون باقي الجيش، وهو خلاف ما قاله العلماء كافة". اهـ. وانظر "فتح الباري" (٦/ ٢٤٠).
(١٠) انظر "الموطأ" (٢/ ٤٥٥ و٤٥٦).
(١١) في (غ) و (ر): "يلتفت للنقل".
(١٢) في (م): "المداخل".
(١٣) في (خ): "لتغير".