للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإِن قيل: هذاكله ردٌّ على الأَئمة الذي اعْتَمَدُوا عَلَى الأَحاديث الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ الصَّحِيحِ، فإِنهم كَمَا نَصُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الإِسناد، كَذَلِكَ نَصُّوا أَيضاً (١) عَلَى أَن أَحاديث التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لَا يُشْتَرَطُ فِي نَقْلِهَا لِلِاعْتِمَادِ عليها (٢) صحةُ الإِسناد، بل إِن كان كذلك (٣) فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وإِلا فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ نقلها واستند إِليها، فقد فعله الأَئمة كمالك فِي "الْمُوَطَّأِ"، وَابْنِ الْمُبَارَكِ فِي "رَقَائِقِهِ" (٤)، وأَحمد بْنِ حَنْبَلٍ فِي "رَقَائِقِهِ" وَسُفْيَانَ (٥) فِي "جَامِعِ الْخَيْرِ"، وَغَيْرِهِمْ.

فَكُلُّ مَا فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ رَاجِعٌ إِلى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، وإِذا جَازَ اعْتِمَادُ مِثْلِهِ، جَازَ فِيمَا كَانَ نَحْوَهُ مما يرجع إِليه؛ كصلاة الرغائب (٦)،


(١) في (خ): "كذلك أيضاً نصوا أيضاً".
(٢) قوله: "عليها" سقط من (خ) و (م).
(٣) في (خ) و (م): "ذلك".
(٤) يعني كتابي "الزهد" لابن المبارك وأحمد بن حنبل.
(٥) أي: الثوري.
(٦) حديث صلاة الرغائب: أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (٢/ ٤٣٦ ـ ٤٣٨ رقم ١٠٠٨) من طريق علي بن عبد الله بن جهضم الصوفي، عن علي بن محمد بن سعيد البصري؛ قال: حدثنا أبي؛ قال: حدثنا خلف بن عبد الله ـ وهو الصغاني ـ، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي ... "، وهو حديث طويل، وموضع الشاهد منه قوله: "ولكن لا تغفلوا عن أول ليلة جمعة في رجب، فإنها ليلة تسميها الملائكة: الرغائب، وذلك أنه إذا مضى ثلث الليل لا يبقى ملك في جميع السموات والأرض إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها، ويطلع الله عز وجل عليهم اطلاعة، فيقول: ملائكتي! سلوني ما شئتم، فيقولون: يا ربنا! حاجتنا إليك أن تغفر لصُوّام رجب، فيقول الله عز وجل: قد فعلت ذلك". ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "وما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس في رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة ـ يعني ليلة الجمعة ـ اثنتي عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة، و {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *} ثلاث مرات، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} اثنتي عشرة مرة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة ... " إلخ.
قال ابن الجوزي عقب إخراجه: "وهذا حديث موضوع على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد اتهموا به ابن جهضم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: رجاله مجهولون، وقد فتشت عليهم جميع الكتب، فما وجدتهم ... " إلخ ما قال.=