للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْجَهْلُ بِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ، وَعَدَمِ ضَمِّ أَطرافه بَعْضِهَا إلى بعض (١)؛ فإِن مأْخذ الأَدلة عِنْدَ الأَئمة الرَّاسِخِينَ إِنما هي (٢) عَلَى أَن تُؤْخَذَ الشَّرِيعَةُ كَالصُّورَةِ الْوَاحِدَةِ بِحَسْبِ مَا ثَبَتَ مِنْ كلِّيَّاتها وجزئيَّاتها المرتَّبة عَلَيْهَا، وَعَامِّهَا الْمُرَتَّبِ عَلَى خَاصِّهَا؛ وَمُطْلَقِهَا الْمَحْمُولِ عَلَى مقيدها، ومجملها المفسَّر بمبيَّنها (٣)، إِلَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ مَنَاحِيهَا (٤). فإِذا حَصَلَ لِلنَّاظِرِ مِنْ جُمْلَتِهَا حُكْمٌ مِنَ الأَحكام فذلك هو الذي نطقت (٥) به حين استُنطقت (٦).

وَمَا مِثْلُهَا إِلَّا مَثَلُ الإِنسان الصَّحِيحِ السَّويّ، فكما أَن الإِنسان لا يكون إِنساناً يستنطق فينطق (٧) بِالْيَدِ وَحْدَهَا، وَلَا بِالرِّجْلِ وَحْدَهَا (٨)، وَلَا بالرأْس وَحْدَهُ، وَلَا بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ، بَلْ بِجُمْلَتِهِ الَّتِي سُمّي بِهَا إِنساناً، كَذَلِكَ الشَّرِيعَةُ لَا يُطْلَبُ مِنْهَا الْحُكْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِنْبَاطِ إِلَّا بِجُمْلَتِهَا، لَا مِنْ دَلِيلٍ مِنْهَا أَي دَلِيلٍ كَانَ، وَإِنْ ظَهَرَ لِبَادِي الرأْي نُطْقُ ذَلِكَ الدَّلِيلِ، فإِنما هُوَ توهُّمي لَا حَقِيقِيٌّ؛ كَالْيَدِ إِذَا اسْتُنْطِقَتْ فإِنما تَنْطِقُ توهُّماً لَا حَقِيقَةً، مِنْ حَيْثُ عَلِمْتَ أَنها يَدُ إِنْسَانٍ، لَا مِنْ حَيْثُ هِيَ إِنسان؛ لأَنه مُحَالٌ.

فشأْن الرَّاسِخِينَ تَصَوُّرُ (٩) الشَّرِيعَةِ صُورَةً وَاحِدَةً يَخْدِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا؛ كأَعضاء الإِنسان إِذا صُوِّرَتْ صُورَةً متَّحدة.

وشأْن متَّبعي (١٠) الْمُتَشَابِهَاتِ أَخذ دَلِيلٍ مَا أَيّ دَلِيلٍ كَانَ، عَفْوًا وأَخذاً أَوَّلياً، وإِن كَانَ ثمَّ ما يعارضه من كلي أو جزئي، فكما أن (١١) الْعُضْوَ الْوَاحِدَ لَا يُعْطَى فِي مَفْهُومِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ حُكْمًا حَقِيقَيًّا، فمُتَّبعه متَّبعُ متشابهٍ، وَلَا يَتْبَعُهُ إِلَّا مَنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ كَمَا شَهِدَ اللَّهُ بِهِ، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (١٢).


(١) في (خ): "لبعض"، وفي (م): "ببعض".
(٢) في (خ): "هو".
(٣) في (خ): "بينها"، وفي (م): "ببينها".
(٤) في (م): "مناخيها".
(٥) في (خ): "فذلك الذي نظمت".
(٦) في (خ) و (م): "استنبطت".
(٧) في (خ): "إنساناً حتى يستنطق فلا ينطق".
(٨) في (م) و (ر): "وحده".
(٩) في (غ) و (ر): "تصوير".
(١٠) في (غ) و (ر): "مبتغي".
(١١) في (خ): "فكان".
(١٢) سورة النساء: آية (٨٧)، وفي (خ): "ومن أصدق من الله قيلاً".