للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهِيَ (١) حَالَةُ السَّلَف الأوَّلين ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ. فإِذا رأَيت أَحداً سَمِعَ مَوْعِظَةً ـ أَيّ مَوْعِظَةٍ كَانَتْ ـ؛ فظهر (٢) عَلَيْهِ مِنَ الأَثر مَا ظَهَرَ عَلَى السَّلَفِ الصَّالِحِ؛ عَلِمْتَ أَنها رِقَّةٌ هِيَ أَوّل الوَجْد، وأَنها صَحِيحَةٌ لَا اعْتِرَاضَ فِيهَا.

وإِذا رأَيت أَحداً سَمِعَ مَوْعِظَةً قُرْآنِيَّةً أَو سُنِّية أَو حِكَمِيَّة فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ شيء، حتى يسمع شعراً مترنّماً (٣) به (٤)، أَو غِنَاءً مُطْرِبًا فتأَثَّر؛ فإِنه لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ انْزِعَاجٌ بِقِيَامٍ، أَو دَوَرَانٍ، أَو شَطح، أَو صِيَاحٍ، أَو مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ. وَسَبَبُهُ: أَن الَّذِي حلَّ بِبَاطِنِهِ لَيْسَ بالرِّقَّة الْمَذْكُورَةِ أَوّلاً، بَلْ هُوَ الطَّرَبُ الَّذِي يُنَاسِبُ الغناءَ؛ لأَن الرِّقَّة ضِدُّ الْقَسْوَةِ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ، وَالطَّرَبُ ضِدُّ الْخُشُوعِ ـ كَمَا يَقُولُهُ الصُّوفِيَّةُ ـ، وَالطَّرَبُ مُنَاسِبٌ لِلْحَرَكَةِ؛ لأَنه ثَوَرَانُ الطِّبَاعِ، وَلِذَلِكَ اشترك مع الإِنسان فيه الحيوان (٥)؛ كالإِبل والخيل (٦)؛ وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ مِنَ الأَطفال، وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَالْخُشُوعُ ضِدُّه؛ لأَنه رَاجِعٌ إِلى السُّكُون، وَقَدْ فُسِّر بِهِ لُغَةً، كَمَا فُسِّر الطَّرَب بأَنه خِفّة تصيب (٧) الإِنسان مِنْ حُزْنٍ، أَو سُرُورٍ.

قَالَ (٨) الشَّاعِرُ (٩):

طربَ الْوَالِهِ (١٠) أَو كالمُخْتَبَل (١١)


(١) في (م): "هي".
(٢) في (خ) و (م): "فيظهر".
(٣) في (خ): "مرقَّما" وفي (م): "مرنّماً".
(٤) قوله: "به" ليس في (خ) و (م).
(٥) في (خ): "اشترك فيه مع الإنسان الحيوان".
(٦) في (خ) و (م): "والنحل".
(٧) في (خ): "تصحب".
(٨) في (ر): "وقال".
(٩) قوله: "قال الشاعر" سقط من (غ). وهذا عجز بيت للنابغة الجعدي، وصدره:
وأراني طَرِباً في إثرهم
........................
انظر "أدب الكاتب" لابن قتيبة (١/ ١٨).
(١٠) في (خ): "الوالد".
(١١) في (خ) و (م): "أو كالمتخيل"، وصوبت بهامش (م) بخط مغاير.
وعلق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: شطر من أبيات للنابغة الجعدي، والشطر=