للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصدَّقوا بِي، وَالْفَاسِقُونَ الَّذِينَ كذَّبوا بِي (١) وَجَحَدُوا بي" (٢).

وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحاديث الْكُوفِيِّينَ، وَالرَّهْبَانِيَّةُ فِيهِ بمعنى اعتزال الخلق بالسياحة (٣) في الجبال (٤)، واطِّراح الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا مِنَ النساءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَمِنْهُ: لُزُومُ الصَّوَامِعِ والدِّيارات (٥) ـ عَلَى مَا كَانَ عليه كثير من النَّصَارَى (٦) قَبْلَ الإِسلام ـ، مَعَ الْتِزَامِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ.

وَيُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} مُتَّصِلًا وَمُنْفَصِلًا. فإِذا بَنَيْنَا عَلَى الِاتِّصَالِ، فكأَنه يَقُولُ: مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ بِهَا ابتغاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ. فَالْمَعْنَى: أَنها مِمَّا كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ (٧)؛ أَي: مِمَّا شُرِعَتْ (٨) لَهُمْ، لَكِنْ بِشَرْطِ قَصْدِ الرِّضوان، فما رعوها حق رعايتها؛ يُرِيدُ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رِعَايَتَهَا حِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ؛ لأَن قَصْدَ الرِّضْوَانِ إِذا كَانَ شَرْطًا فِي الْعَمَلِ بِمَا شُرِعَ لَهُمْ؛ فَمِنْ حَقِّهِمْ أَن يَتَّبِعُوا ذَلِكَ الْقَصْدَ، فإِلى أَيْنَ سَارَ (٩) بِهِمْ سَارُوا، وإِنما شَرَعَ لَهُمْ عَلَى شَرْطِ أَنه إِذا نُسخ بِغَيْرِهِ رجعوا إِلى ما أُحكم وتركوا مَا نُسخ، وَهُوَ مَعْنَى ابْتِغَاءَ الرِّضْوَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فإِذا لَمْ يَفْعَلُوا وأَصرُّوا عَلَى الأَوّل كَانَ ذَلِكَ اتِّباعاً لِلْهَوَى لَا اتِّبَاعًا لِلْمَشْرُوعِ، واتباع المشروع هو الذي يحصل به الرضوان، وقصد الرضوان؛ فلذلك قال الله تَعَالَى (١٠): {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}. فَالَّذِينَ آمِنُوا هُمُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا الرَّهْبَانِيَّةَ ابتغاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ، وَالْفَاسِقُونَ هُمُ الْخَارِجُونَ عَنِ الدُّخُولِ فِيهَا بِشَرْطِهَا؛ إِذ لَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ (ص).


(١) قوله: "بى" ليس في (خ).
(٢) قوله: "بي" ليس في (خ) و (م).
(٣) في (خ) و (م): "في السياحة".
(٤) قوله: "في الجبال" ليس في (خ).
(٥) في (خ): "والديارت".
(٦) في (خ) و (م): "عليه أمر النصارى".
(٧) في (غ) و (ر): "كتب لهم".
(٨) في (غ) و (ر): "شرع".
(٩) في (خ): "أسار"، وعلق عليها رشيد رضا بقوله: كذا في الأصل! ولعل صوابه: "أسارهم"، أو: "سار بهم". ومعنى "أساره": جعله يسير كسيره، ولا يظهر معه معنى لباء الملابسة والمصاحبة. اهـ.
(١٠) في (خ) و (م): "بذلك قال تعالى".