للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِبَادَةٍ واجتهاد، وذُكر عنده آخر بِدَعَةٍ (١)، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يُعْدَلُ (٢) بالدَّعَة" (١).

والدَّعَةُ (١) هنا: المراد بها (٣): الرِّفْقُ وَالتَّيْسِيرُ. قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ: "حَسَنٌ غَرِيبٌ" (٤).

وَعَنْ أَنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (٥): جاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلى بُيُوتِ أَزواج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأَلون عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كأَنهم تقالُّوها، فَقَالُوا: وأَين نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم؟ قد (٦) غَفَرَ اللَّهُ لَهُ (٧) مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (٨) وَمَا تأَخر. فَقَالَ أَحدهم: أَما أَنا فإِني أُصلي اللَّيْلَ أَبداً، وَقَالَ الْآخَرُ: إِني أَصوم الدَّهْرَ وَلَا أُفطر، وَقَالَ الْآخَرُ: إِني أَعتزل النساءَ فَلَا أَتزوج أَبداً. فجاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَنتم الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَما وَاللَّهِ إِني لأَخشاكم لِلَّهِ وأَتقاكم لَهُ، لَكِنِّي أَصوم وأُفطر، وأُصلي وأَرقد، وأَتزوج النساءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سنَّتي فَلَيْسَ مِنِّي" (٩).

والأَحاديث فِي هَذَا (١٠) الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وهي بجملتها تدلّ على الأَخذ في الأعمال بالتسهيل (١١) وَالتَّيْسِيرِ، وإِنما يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ عَدَمِ الِالْتِزَامِ، وإِن تُصُوِّر مَعَ الِالْتِزَامِ فَعَلَى جِهَةِ مَا لَا يَشُقُّ الدَّوَامُ فِيهِ حسبما نفسِّره (١٢) الآن.


(١) كذا جاء عند المصنف، والذي في الترمذي: "بِرِعَةٍ"، و"الرِّعَة": المصدر من الورع كما في "النهاية" (٥/ ١٧٤)، و"لسان العرب" (٨/ ٣٨٨).
(٢) في (غ) و (ر): "لا نعدل".
(٣) في (خ): "والدعة المراد بها هنا".
(٤) هذا جاء في بعض نسخ الترمذي، ويظهر أن النسخ التي حذف منها قوله: "حسن" أجود كما تجد ذلك محكيًّا عن التّرمذي عند المزي في "تحفة الأشراف" (٢/ ٣٧٥)، و"تهذيب الكمال" (٢٥/ ٦٤٥).
(٥) قوله: "قال" ليس في (غ) و (ر).
(٦) في (خ): "وقد".
(٧) في (غ): "غفر له".
(٨) في (ر): "من ذنبه ما تقدم"، ووضع عليهما الناسخ علامتي التقديم والتأخير.
(٩) تقدم تخريجه ص (١٤٧).
(١٠) قوله: "هذا" ليس في (خ)، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: أي: في هذا المعنى، أو: في المعنى الذي نتكلم فيه. ويوشك أن يكون سقط من النسخ لفظ "هذا".اهـ.
(١١) في (خ) و (م): "الأخذ في التسهيل".
(١٢) في (ر) و (غ): "نفسر".