للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيئاً، بل من قدر الله له المرض أو الصحة (١)، أَوِ الْغِنَى أَوِ الْفَقْرَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فالنذر لا يوضع (٢) سبباً لغير ذلك (٣)؛ كَمَا وُضِعَت صِلَةُ الرَّحِمِ سَبَبًا فِي الزِّيَادَةِ فِي الْعُمُرِ مَثَلًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ (٤) الْعُلَمَاءُ، بَلِ النَّذْرُ وَعَدَمُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلَكِنَّ اللَّهَ (٥) يَسْتخرج بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ؛ بِشَرْعِيَّة الْوَفَاءِ بِهِ (٦)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُّمْ} (٧)، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ نَذَرَ أَن يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ" (٨)، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ العلماءِ، كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (٩).

وَوَجْهُ النَّهْيِ: أَنه مِنْ بَابِ التَّشْدِيدِ عَلَى النَّفْسِ، وَهُوَ الَّذِي تقدَّم الاستشهاد على كراهيته.

وأَما (١٠) عَلَى جِهَةِ الِالْتِزَامِ غَيْرِ النَّذْرِيِّ (١١)؛ فكأَنه نَوْعٌ مِنَ الْوَعْدِ، والوفاءُ بِالْعَهْدِ (١٢) مَطْلُوبٌ، فكأَنه أَوجب عَلَى نَفْسِهِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِ الشَّرْعُ، فَهُوَ تَشْدِيدٌ أَيضاً، وَعَلَيْهِ يأْتي مَا تقدم في (١٣) حَدِيثِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَتوا يسأَلون عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِقَوْلِهِمْ (١٤): أَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ... إِلَخْ، وَقَالَ أَحدهم (١٥): أَما أَنا (١٦) فأَفعل كَذَا ... إلى آخره (١٧).

وَنَحْوُهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: أَن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخبر أَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يَقُولُ: لَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ ولأَصومنّ النَّهَارَ مَا عِشْت (١٨).


(١) في (خ): "الصحة أو المرض".
(٢) في (خ): "لم يوضع".
(٣) في (خ): "لذلك" بدل "لغير ذلك".
(٤) في (غ) و (ر): "فسره" وفي (م): "ذكر".
(٥) في (ر) و (غ): "ولكن أنه".
(٦) قوله: "به" ليس في (ر) و (غ).
(٧) سورة النحل: الآية (٩١).
(٨) أخرجه البخاري (٦٦٩٦ و٦٧٠٠).
(٩) انظر "فتح الباري" (١١/ ٥٧٥).
(١٠) هذا هو الوجه الثاني.
(١١) في (غ) و (ر): "النذر".
(١٢) في (ر): "بالوعد".
(١٣) في (خ): "من".
(١٤) في (خ): "وقولهم".
(١٥) من قوله: "أين نحن" إلى هنا سقط من (غ) و (م) و (ر).
(١٦) في (م): "أما نحن".
(١٧) تقدم تخريجه (ص١٤٧)، وانظر (ص١٥٩).
(١٨) تقدم تخريج حديث عبد الله بن عمرو (ص١٥٧).