للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" (١)، وسيأْتي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ إِن شاءَ اللَّهُ.

وَالْوَجْهُ (٢) الثَّانِي (٣): أَنْ لَا يَكُونَ فِي الدُّخُولِ فِيهِ مَشَقَّةٌ وَلَا حَرَجٌ، وَلَكِنَّهُ عِنْدَ الدَّوَامِ عَلَيْهِ تَلْحَقُ بِسَبَبِهِ الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ، أَوْ تَضْيِيعُ مَا هُوَ آكَدُ (٤)، فَهَاهُنَا أَيضاً يَقَعُ النَّهْيُ ابْتِدَاءً، وَعَلَيْهِ دَلَّتِ الأَدلة الْمُتَقَدِّمَةُ، وجاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ (٥) تَفْسِيرُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فشدَّدت فَشُدِّد عليَّ، وَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنك لَا تَدْرِي لَعَلَّكَ يَطُولُ بِكَ عُمُرٌ".

فتأَمَّلوا كَيْفَ اعْتُبِرَ فِي الْتِزَامِ مَا لَا يُلْزَمُ ابْتِدَاءً: أَنْ يَكُونَ بحيث لا يشقّ عليه الدوام (٦) إِلى الْمَوْتِ! قَالَ: فَصِرْتُ إِلى الَّذِي قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كَبِرْتُ وَدِدْتُ أَنِّي (٧) كُنْتُ (٨) قَبِلْتُ رُخْصَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَعَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى (٩) يَنْبَغِي أَن يُحْمَلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبي قَتَادَةَ (١٠) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يوماً؟ قال: "ويطيق ذلك أحد"؟ ثم قال في صيام (١١) يوم (١٢) وإفطار يومين: "وَدِدْتُ أَني طُوِّقت ذَلِكَ". فَمَعْنَاهُ ـ وَاللَّهُ أَعلم ـ: "وَدِدْتُ أَني طُوِّقت الدَّوَامَ عَلَيْهِ"، وإِلا فَقَدْ كَانَ يُوَاصِلُ الصِّيَامَ وَيَقُولُ: "إِني لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِني أَبَيْتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي" (١٣).

وَفِي الصَّحِيحِ: "كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، ويفطر حتى نقول: لا يصوم" (١٤).


(١) تقدم تخريجه (ص١٤٧).
(٢) قوله: "والوجه" من (خ) فقط.
(٣) في (غ) و (م) و (ر): "والثاني".
(٤) في (خ): "أوكد".
(٥) تقدم تخريجه (ص١٥٨).
(٦) في (خ): "الدوام عليه".
(٧) في (خ): "أنّني".
(٨) قوله: "كنت" ليس في (خ).
(٩) قوله: "المعنى" ليس في (غ) و (ر).
(١٠) أخرجه مسلم (١١٦٢).
(١١) قوله: "صيام" سقط من (م).
(١٢) في (خ): "في يوم صوم".
(١٣) تقدم تخريجه (ص ١٥٥).
(١٤) أخرجه البخاري (١٩٦٩)، ومسلم (١١٥٦/ ١٧٥).