للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَكِنْ لِقَائِلٍ أَن يَقُولَ: إِن النَّهْيَ هَاهُنَا مُعَلَّل (١) بِالرِّفْقِ الرَّاجِعِ إِلى الْعَامِلِ؛ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله تعالى عنها: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة بهم" (٢)، فكأَنه قَدِ اعْتَبَرَ حَظّ النَّفْسِ فِي التعبُّد، فَقِيلَ لَهُ: افْعَلْ وَاتْرُكْ؛ أَي: لَا تَتَكَلَّفْ ما يشق عليك، كما لم تُكلّف (٣) فِي الْفَرَائِضِ مَا يَشُقُّ عَلَيْكَ؛ لأَن اللَّهَ إِنما وَضَعَ الْفَرَائِضَ عَلَى الْعِبَادِ عَلَى وجهٍ مِنَ التَّيْسِيرِ مُشْتَرَك لِلْقَوِيِّ (٤) وَالضَّعِيفِ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالرَّجُلِ والمرأَة، حَتَّى إِذَا كَانَ بعض الفرائض يُدْخِل الحرج على المُكَلّف أُسقط (٥) عَنْهُ جُمْلَةً أَو عُوِّض (٦) عَنْهُ مَا لَا حَرَجَ فِيهِ، كَذَلِكَ النَّوَافِلُ المتكلَّم فِيهَا.

وإِذا رُوعِيَ حَظُّ النَّفْسِ: فَقَدْ صَارَ الأَمر فِي الإِيغال إِلى الْعَامِلِ، فَلَهُ أَن لَا يمكِّنها مِنْ حظِّها، وأَن (٧) يَسْتَعْمِلَهَا (٨) فِيمَا قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهَا بِالدَّوَامِ، بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُؤَصَّلَةِ فِي أُصول "الْمُوَافَقَاتِ" (٩) فِي إِسقاط الْحُظُوظِ، فَلَا يَكُونُ إِذاً مَنْهِيًّا ـ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ ـ. فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الإِنسان حَقٌّ لِغَيْرِهِ مَا دَامَ طَالِبًا لَهُ، وَلَهُ الخِيرة فِي تَرْكِ الطَّلَبِ بِهِ فَيَرْتَفِعُ الْوُجُوبُ، كَذَلِكَ جاءَ النَّهْيُ حِفْظًا عَلَى حظوظ النفوس (١٠)، فَإِذَا أَسقطها صَاحِبُهَا زَالَ النَّهْيُ، وَرَجَعَ الْعَمَلُ إِلى أَصل النَّدْبِ.

وَالْجَوَابُ: أَن حُظُوظَ النُّفُوسِ بِالنِّسْبَةِ إِلى الطَّلَبِ بِهَا قَدْ يُقَالُ: إِنه مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنه من حقوق العباد. فإِن قلنا: إِنه


(١) في (خ): "معلق".
(٢) في (خ) و (م): "رحمة لهم".
وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري (١٩٦٤)، ومسلم (١١٠٥).
(٣) في (خ): "كما تتكلف".
(٤) في (خ): "يشترك فيه القوي".
(٥) في (خ): "يسقط".
(٦) في (خ): "يعوض".
(٧) قوله: "وأن" ليس في (غ) و (ر).
(٨) في (غ) و (ر): "ويستعملها".
(٩) انظر: "الموافقات" (١/ ٢٣٣ وما بعدها)، و (١/ ٣٥٧ وما بعدها)، و (٢/ ٢٥١ وما بعدها).
(١٠) في (خ): "النفس".