للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَول، وَلَا الثَّالِثِ، بَلْ بِمَعْنَى التوقِّي مِنْهُ كما يتوقَّى (١) سائر المُؤْلِمات.

ويدخل ها هنا بِالْمَعْنَى امْتِنَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَكل الثُّومِ؛ لأَنه كَانَ يُنَاجِي الْمَلَائِكَةَ (٢)، وهي تتأَذَّى من رائحته (٣)، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تُكْرَهُ (٤) رَائِحَتُهُ.

وَلَعَلَّ هَذَا الْمَحْمَلَ (٥) أَولى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِن الثُّومَ وَنَحْوَهُ (٦) كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ (٧) بِالْمَعْنَى المُخْتَصّ بِالشَّارِعِ، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِي مَعْنَى الآية (٨).

وأَما التحريم بالمعنى الرَّابِعِ فَيُحْتَمَلُ أَن يَدْخُلَ فِي عِبَارَةِ التَّحْرِيمِ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (٩) قَدْ (١٠) شَمِلَ التَّحْرِيمَ بِالنَّذْرِ، وَالتَّحْرِيمَ بِالْيَمِينِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: ذِكْرُ الْكَفَّارَةِ (١١) بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (١٢) إلى آخرها.

وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنه كَانَ تَحْرِيمًا مجرَّداً قَبْلَ نُزُولِ الْكَفَّارَةِ، وأَن جَمَاعَةً مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قالوا في قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (١٣): إِن التَّحْرِيمَ كَانَ بِالْيَمِينِ حِينَ حَلَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن لَا يَشْرَبَ العسل (١٤)، وسيأْتي ذكر ذلك بحول الله تعالى.

فإِن قِيلَ: هَلْ يَكُونُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِني إِذا أَصبت اللَّحْمَ انْتَشَرْتُ للنساءِ (١٥) ... ، الْحَدِيثَ: مِنْ قَبِيلِ التحريم الثاني لا من


(١) في (خ): "تتوقى".
(٢) أخرجه البخاري (٨٥٥)، ومسلم (٥٦٤).
(٣) في (ر) و (م): "رائحتها".
(٤) في (ر): "وكذلك سائر ما تكره".
(٥) في (خ) و (م): "المحل".
(٦) في (ر) و (م): "ونحوها".
(٧) قال الحافظ في "الفتح" (٩/ ٥٧٥): واختُلف في حقه هو صلّى الله عليه وسلّم، فقيل: كان ذلك محرماً عليه، والأصح أنه مكروه لعموم قوله: "لا" في جواب: "أحرام هو" اهـ.
(٨) في (خ): "الأمر" بدل: "الآية".
(٩) سورة المائدة: الآية (٨٧).
(١٠) في (م): "فقد".
(١١) في (خ): "الكفار".
(١٢) سورة المائدة: الآية (٨٩).
(١٣) سورة التحريم: الآية (١).
(١٤) أخرجه البخاري (٤٩١٢)، ومسلم (١٤٧٤).
(١٥) تقدم تخريجه (ص٢٠٨).