للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ (١) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لأَن يَجْلِسَ عَلَى الرَّضْف (٢) خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي "الْمُدَوَّنَةِ" (٣): إِذا سَلَّمَ فَلْيَقُمْ وَلَا يَقْعُدْ، إِلا أَن يَكُونَ فِي سفرٍ أَو فِي فِنَائِه.

وعدَّ الفقهاءُ إِسراع الْقِيَامِ سَاعَةَ يُسَلِّمُ مِنْ فَضَائِلِ الصَّلَاةِ، وَوَجَّهُوا ذَلِكَ بأَن جُلُوسَهُ هُنَالِكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيهِ كبر وترفُّعٌ على الجماعة، وانفراده بموضع عَنْهُمْ يَرى بِهِ الداخلُ أَنه إِمامهم، وأَما انفراده به حال (٤) الصلاة فضرورة (٥).

قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا الَّذِينَ اسْتَفَدْنَا بِهِمْ (٦): وإِذا كَانَ هَذَا فِي انْفِرَادِهِ فِي الْمَوْضِعِ، فَكَيْفَ بِمَا انْضَافَ إِليه مِنْ تقدُّمه أَمامهم فِي التوسُّل بِهِ بالدعاءِ وَالرَّغْبَةِ، وتأْمينهم عَلَى دُعَائِهِ جَهْرًا؟ قَالَ: وَلَوْ كَانَ هَذَا حَسَنًا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَنقل ذَلِكَ (٧) أَحد مِنَ العلماءِ، مَعَ تَوَاطُئِهِمْ (٨) عَلَى نَقْلِ جَمِيعِ أُموره، حَتَّى: هَلْ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلَاةِ عَنِ الْيَمِينِ؟ أَو عَنِ (٩) الشِّمَالِ؟

وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّال (١٠) عَنْ علماءِ السَّلَفِ إِنكارَ ذَلِكَ، وَالتَّشْدِيدَ فِيهِ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ.


=الشعبي وإبراهيم النخعي أنهما كرهاه، ويُذكر عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، والله تعالى أعلم" اهـ. وقد ذكر ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (٢/ ٤٦٢) أن ابن عمر قال: "الإمام إذا سلم قام"، ثم نقل عن عمر قوله: "جلوس الإمام بعد السلام بدعة".
(١) أخرجه في "المدونة" (١/ ١٣٥) عن ابن وهب؛ قال: قال ابن مسعود: يَجْلِسَ عَلَى الرَّضْفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وسنده معضل بين ابن وهب وابن مسعود.
(٢) الرَّضْفُ: الحجارة المُحْماة كما في "النهاية" (٢/ ٢٣١)، وتقدم (ص٢٦٦) بيان المصنف لمعناها.
(٣) (١/ ١٣٥).
(٤) في (غ) و (ر): "حالة".
(٥) في (خ) و (م): "فضروري".
(٦) في (خ): "منهم" وكتب فوقها "صح".
(٧) قوله: "ذلك" ليس في (خ)، ولذا علق رشيد رضا على موضعه بقوله: الظاهر أنه قد سقط من الكلام مفعول قوله: "ولم يقل"، ولعل الأصل: "ولم ينقل ذلك أحد من العلماء".اهـ.
(٨) في (ر) و (غ): "تواظبهم".
(٩) في (ر) و (غ): "على اليمين أو على".
(١٠) في "شرح صحيح البخاري" (٢/ ٤٦١ ـ ٤٦٢).