للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَيضاً: فإِن قَصْدَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الدعاءِ لَا يَكُونُ بَعْدَ زَمَانِهِ أَبلغ فِي الْبَرَكَةِ مِنَ اجتماعٍ يَكُونُ فِيهِ سَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وأَصحابه، فكانوا بالتَّنَبُّه (١) لِهَذِهِ المَنْقَبَة أَولى.

وَالثَّالِثُ: قَصْدُ التَّعْلِيمِ للدعاءِ؛ ليأْخذوا مِنْ دُعَائِهِ مَا يَدْعُونَ بِهِ لأَنفسهم؛ لِئَلَّا يَدْعُوَا بِمَا لَا يَجُوزُ عَقْلًا أَو شَرْعًا.

وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَنْهَضُ؛ فإِن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ المعلِّمَ الأَوَّل، وَمِنْهُ تلقَّينا أَلفاظ الأَدعية وَمَعَانِيهَا، وَقَدْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْهَلُ قَدْرَ الرُّبُوبِيَّةِ فَيَقُولُ (٢):

ربَّ العبادِ ما لنا وما لَكَا (٣) ... أَنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ لا أَبالَكَا (٤)

وقال الآخر (٥):

لا هُمَّ إِن كُنْتَ الَّذِي بعَهْدِي ... ولَمْ تُغَيِّرْكَ الأُمورُ بَعْدِي

وَقَالَ الْآخَرُ:

أَبَنِيَّ لَيْتي (٦) لَا أُحِبُّكُمُ ... وَجَدَ الإِلهُ بكُمُ كما أَجِدُ


(١) في (خ) و (م): "بالتنبيه".
(٢) قال المُبَرِّد في "الكامل" (٣/ ١١٣٩/تحقيق د. محمد الدالي):
وسمع سليمان بن عبد الملك رجلاً من الأعراب في سنة جَدْبَةٍ يقول:
ربَّ العبادِ ما لَنا ومالَكا ... قد كنت تَسْقينا فما بدا لكَ
أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
فأخرجه سليمانُ أحسنَ مُخْرَجٍ، فقال: أشهد أن لا أبا له، ولا ولد، ولا صاحبة. اهـ.
وانظر الخبر أيضاً في "لسان العرب" (١٤/ ١٢).
وكان المبرِّد قد قال قبل سياق القصة ـ وهو يتحدّث عن كلمة "لا أبا لك" ـ: "وهذه كلمة فيها جفاء، والعرب تستعملها عند الحثّ على أخذ الحق والإغراء، وربما استعملتها الجفاة من الأعراب عند المسألة والطلب، فيقول القائل للأمير والخليفة: انظر في أمر رعيّتك لا أبا لك! ... "، ثم ساق القصة.
(٣) في (خ) و (م): ومالك".
(٤) في (خ) و (م): "لا أبالك".
(٥) ذكر هذا الرَّجَز ابن سيده في "المخصّص" (٣/ ٤)، وابن منظور في "لسان العرب" (٢/ ٤٦١/مادة "روح") بلفظ:
لا هُمَّ إنْ كنتَ الذي كَعَهدي ... ولم تُغَيِّرْك السِّنونَ بعدي
وذكرا أنه من جفاء الأعراب، ولم ينسباه لأحد.
(٦) كذا في (خ)، وفي باقي النسخ: "ليتني".