للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَبا حَمْزَةَ! لَوْ دَعَوْتَ لَنَا بِدَعَوَاتٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ـ قَالَ: فأَعادها مِرَارًا ثَلَاثًا ـ، فَقَالَ: يَا أَبا حمزة! لو دعوت لنا (١)، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ.

فإِذا كَانَ الأَمر عَلَى هَذَا فَلَا إِنكار فِيهِ، حَتَّى إِذا دَخَلَ فِيهِ أَمر زَائِدٌ صَارَ الدعاءُ بِتِلْكَ (٢) الزِّيَادَةِ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ. فَقَدْ جاءَ فِي دعاءِ الإِنسان لِغَيْرِهِ (٣) الْكَرَاهِيَةُ عَنِ السَّلَفِ (٤)، لَا عَلَى حُكْمِ الأَصالة، بَلْ بِسَبَبِ مَا يَنْضَمُّ إِليه مِنَ الأُمور المُخْرِجَةِ عَنِ الْأَصْلِ. وَلِنَذْكُرَهُ هُنَا لِاجْتِمَاعِ أَطراف المسأَلة فِي التَّنْبِيهِ (٥) عَلَى الدعاءِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ بِآثَارِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ دَائِمًا.

فَخَرَّجَ الطَّبَرِيُّ (٦) عَنْ مُدْرِك بْنِ عِمْرَانَ؛ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه: إني أصبت ذنباً (٧) فَادْعُ اللَّهَ لِي. فَكَتَبَ إِليه عُمَرُ: إِني لَسْتُ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنْ إِذا أُقيمت الصَّلَاةُ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِذَنْبِكَ.

فإِبَايَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ أَصل الدعاءِ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخرى، وإِلا تَعَارَضَ كلامه مع ما تقدم، فكأَنه فهم


=وسنده صحيح، وصححه ابن حبان؛ فأخرجه في "صحيحه" (٩٣٨/ الإحسان) من طريق أبي يعلى.
وأصل الحديث في "الصحيحين".
فأخرجه البخاري (٤٥٢٢ و٦٣٩٨)، ومسلم (٢٦٩٠)، كلاهما من طريق عبد العزيز بن صهيب ـ واللفظ لمسلم ـ؛ قال: سأل قتادة أنساً: أي دعوة كان يدعو بها النبي صلّى الله عليه وسلّم أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها يقول: "اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حسنة، وقنا عذاب النار". قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإن أراد أن يدعو بدعاء دعا بها فيه.
(١) قوله: "لنا" ليس في (خ) و (ت) و (م).
(٢) في (خ): "الدعاء فيه بتلك".
(٣) في (م): "في دعائه الإنسان لغير".
(٤) سيأتي نقل المصنف لبعض الآثار في ذلك.
(٥) في (خ): "التشبيه".
(٦) أي: في "تهذيب الآثار" كما قال المصنف (ص٣٣٣). ومدرك بن عمران لم أجد من ترجم له، وقد يكون في نسبه تصحيف، فيكون إما مدرك بن عمارة بن عقبة بن أبي مُعَيط المترجم في "الجرح والتعديل" (٨/ ٣٢٧ رقم ١٥١١)، و"تعجيل المنفعة" (١٠١٥)، أو مدرك بن عوف البَجلي الذي ذكره ابن أبي حاتم في الموضع السابق من "الجرح والتعديل" برقم (١٥٠٩)، وذكر أنه يروي عن عمر، ولم أجد من وثقهما من المعتبرين.
(٧) قوله: "إني أصبت ذنباً" سقط من (خ) و (م) و (ت).