للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالأَمر وَالنَّهْيُ ضِدَّان، بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا أَمر وَلَا نَهْيٌ، وإِنما يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّخْيِيرُ.

وإِذا تأَمّلنا الْمَكْرُوهَ ـ حَسْبَمَا قَرَّرَهُ الأُصوليون ـ؛ وَجَدْنَاهُ ذَا طَرَفَيْنِ:

طَرَفٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ منهيٌّ عَنْهُ، فَيَسْتَوِي مَعَ الْمُحَرَّمِ فِي مُطْلَق النَّهْيِ، فَرُبَّمَا يُتَوهَّمُ أَن مُخَالَفَةَ نَهْيِ الْكَرَاهِيَةِ مَعْصِيَةً مِنْ حَيْثُ اشْتَرَكَ مَعَ الْمُحَرَّمِ فِي مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ.

غَيْرَ أَنه يَصُدُّ عَنْ هَذَا الإِطلاق الطَّرَفَ الْآخَرَ، وَهُوَ أَن يُعْتَبَرَ مِنْ حَيْثُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى فَاعِلِهِ ذَمّ شَرْعِيٌّ، وَلَا إِثْمٌ وَلَا عِقَابٌ (١)، فَخَالَفَ الْمُحَرَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَشَارَكَ الْمُبَاحَ فِيهِ؛ لأَن الْمُبَاحَ لَا ذَمّ عَلَى فَاعِلِهِ، وَلَا إِثْمَ وَلَا عِقَابَ (٢)، فَتَحَامَوْا أَن يُطْلِقُوا (٣) عَلَى مَا هَذَا شأْنه عِبَارَةَ الْمَعْصِيَةِ.

وإِذا ثَبَتَ هَذَا وَوَجَدْنَا بين الطاعة والمعصية واسطة يصح أَن يدخل تحتها المكروه؛ لم يصح أن يتناوله ضد الطاعة، فلا يطلق عليه لفظ المعصية، بخلاف الهدى والضلال؛ فإنه لا واسطة بينهما في الشرع يصح أن (٤) ينسب إِليها لفظ (٥) الْمَكْرُوهُ مِنَ الْبِدَعِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} (٦). فليس إِلا حق، وهو الهدى، أَو الضلال (٧)، وهو باطل (٨)، فالبدع المكروهة ضلال.


(١) في (غ) و (ر): "عتاب".
(٢) من قوله: "فخالف المحرم" إلى هنا سقط من (غ) و (ر).
(٣) قوله: "أن يطلقوا" سقط من (غ) و (ر).
(٤) من قوله: "يدخل تحتها" إلى هنا سقط من (خ) و (م) و (ت).
(٥) قوله: "لفظ" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(٦) سورة يونس: الآية (٣٢).
(٧) في (خ): "والضلال".
(٨) علق رشيد رضا رحمه الله على هذا الموضع بقوله: كان الظاهر أن يكون الضلال المعطوف على خبر ليس مساوياً له في التعريف والتنكير، وكلٌّ من خبري المبتدأ مساوياً للآخر كذلك؛ بأن يقول: "فليس إلا حق، وهو الهدى، وضلال هو الباطل"، ويجوز تعريف [الجميع].اهـ.