فإذا أضفنا إلى ذلك- بهذه المناسبة- الإشارة إلى «النظم» القرآني المتفرّد، أو إلى بناء هذا النص الإلهي في جمله وآياته وسوره- أو ما يمكن تسميته بروحه التركيبية- جاز لنا أن نقول كذلك: إن من استقام لسانه بهذا الكتاب المعجز، استقام بأي نص من لغة العرب وآدابها في الجاهلية والإسلام، ولا عكس. وقد يكون التدليل على هذا الأمر بحاجة إلى دراسات نظرية وتطبيقية موسّعة. ولكن القدر الذي يمكننا الإشارة إليه في هذه العجالة: أن بلاغة هذه اللغة وشاعريتها الظاهرة في حروفها ومفرداتها وقواعدها وعباراتها- والتي تحدث عنها العقاد- تبلغ ذروتها أو درجتها «الإعجازية» في آدابها أو في جملها وتراكيبها في هذا الكتاب الكريم الخالد، فضلا عن الأثر البيّن للتلاوة والتجويد في تطويع الألسنة على بليغ القول وتنمية مهارات اللسان، والإمداد بثروة هائلة من العبارات والمعاني الدقيقة التي لا تقتصر على العالم دون الجاهل، ولا على الكبير دون الصغير. والله تعالى أعلم.
ثانيا- العرب والقرآن:
لقد نزل القرآن الكريم في العرب وبلغتهم، وبعث النبيّ العربي القرشي الهاشمي- صلوات الله وسلامه عليه- بين ظهرانيهم، وأطلّ العرب بهذا الكتاب الكريم على العالم رسالة إنسانية ورحمة للعالمين ... دورهم فيه دور التبليغ والهداية والجهاد، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، لا دور المدلّ بعصبية أو عنصرية، بل دور التكليف الأشد والجهاد الأفضل، لأن المزايا الإنسانية تكليف وأعباء لا متع وأزياء! قال الله تعالى في سورة الزخرف مخاطبا نبيّه الكريم عليه الصلاة والسلام: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤)[الآيتان ٤٣ - ٤٤].
قال ابن كثير في تفسير الآية الأولى- ٤٣ - (أي خذ القرآن المنزل على قلبك فإنه هو الحق، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم،