إن اختيار لغة العرب لينزل بها آخر كتب الله تعالى للإنسان، على تعدد لغات البشر واختلاف ألسنتهم، يشير إلى فضيلة بيانية جامعة امتاز بها اللسان العربي على كل لسان، وبخاصة إذا ذكرنا أن إعجاز القرآن أو معجزة النبيّ الكبرى- صلوات الله وسلامه عليه- جاءت متعلقة بهذا البيان ومتصلة به، بل كانت في حقيقة الأمر من جنسه، لأن الإعجاز الذي جاء في القرآن الكريم مقرونا بالتحدي أو ثمرة له- كما سنشرح ذلك في مبحث الإعجاز القادم- كان بيانيا صرفا، على الراجح من أقوال العلماء
والباحثين.
ومما يدل على هذه الفضيلة البيانية، أو الميزة البيانية، ويشير إليها على أقل تقدير أن من استقام لسانه بالعربية- كما هو ملاحظ ومشاهد- استقام بكل لغة أو لسان آخر، ولا عكس. أي أن من نشأ على العربية ورضع لبانها، وتفتق لسانه بحروفها وكلماتها وتراكيبها ... بمعنى أن هذه الحروف والكلمات والتراكيب كانت هي السابقة إلى لسانه وشفتيه نشأة وتعليما؛ فإن في وسعه أن يتقن في المستقبل ... في سن الحداثة والصبا، أو في سنّ المراهقة والبلوغ ... وربما بعد ذلك أيضا، أي لغة أخرى، وسوف يبلغ بهذه اللغة- مع إجادة التعليم والتعلّم- مبلغ أهلها من حيث الإبانة والنطق؛ بحيث يصعب فصله عنهم أو تمييزه بينهم من