على مقدمة ابن تيمية في أصول التفسير- فإن الذي تحسن الإشارة إليه هنا هو التعريف بهذا التفسير المعاصر- الظلال- الذي يعتبر من أكثر كتب التفسير رواجا، وأقربها من نفوس الطلاب والدارسين، وبخاصة طلبة الجامعات على اختلاف اختصاصاتهم واهتماماتهم. وسوف نحاول من خلال ذلك وضع هذا التفسير في موضعه .. ولو اضطرنا ذلك إلى تلخيص ملاحظاتنا العامة على التفاسير القديمة مرة أخرى.
أولا- الصحابة وتفسير القرآن:
كان جيل الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين- هو الجيل الذي ربّاه القرآن الكريم، وأخرجه للناس جيلا نموذجيا لم يسبق له وجود في تاريخ بني الإنسان. وكان هذا الجيل الكريم الأمثل هو الجيل الذي تمثل فيه الهدف العملي للقرآن، أو الهدف العملي الواقعي القريب في هذه الحياة الدنيا، وهو إنشاء الأمة الوسط، أو الأمة المثال والأنموذج، وتبديل واقع الناس من الضلال إلى الهدى، وإخراجهم من الظلمات إلى النور!
ولقد تحقق ذلك في هذا الجيل القرآني الفريد، وهو جيل الصحابة الذي تربّى خطوة خطوة، ويوما بعد يوم، وقام بناؤه الشامخ لبنة لبنة؛ على نحو نزول القرآن الكريم سورة بعد سورة، ومجموعة من الآيات رواء مجموعة أخرى، على اختلاف الأوقات والأزمان، والدواعي والأسباب ... حتى تحقق ذلك الغرض العملي من كتاب الله الكريم. ويدل على ذلك- بإيجاز- قول أنس بن مالك- رضي الله عنه-: «كنا إذا نزلت علينا الآيات لم نتجاوزها حتى نعمل بما فيها، فتعلمنا العلم والعمل جميعا» .. هذا العمل أو هذا السلوك الحي، أو الاستلهام للروح القرآنية، والعمل بموجبها ومقتضاها هو ما انصرفت إليه همة الصحابة، وتجردوا له- رضي الله عنهم-.