قطعية النص القرآني وتواتره، نذكّر بالكلمات التي ختمنا بها موضوع تعريف القرآن، عند ما قلنا إن تسمية القرآن: قرآنا وكتابا، تؤكد أن من حقه أن يكون مصونا وموثقا من طريق الحفظ والكتابة جميعا.
أولا- حفظ القرآن وكتابته في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم:
[(أ) الحفظ والجمع في الصدور:]
١ - كان سيد الحفاظ وأولهم الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي «فرق» الله عليه القرآن ليقرأه على الناس «على مكث»، والذي تكفل له بحفظه وجمعه في صدوره، فقال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧)[سورة القيامة، الآيات ١٦ - ١٧].
وقد كان سبيل حفظه ممهدا أمام النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأمام الصحابة كذلك، واعتمادهم في الأصل إنما هو على الذاكرة دون الكتابة، بوصفهم أمة أميّة لهم كل خصائص الفطرة النقية، والذكاء الأصيل، قال الله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢)[سورة الجمعة، الآية ٢].
هذا إلى جانب ما عرف عنهم- في الصحراء- من صفاء الذهن وجودة القريحة.
بل إن حفظ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يجري عليه لون من ألوان الزيادة في الاطمئنان والتثبت؛- ولعله الوجه الذي نراه من وجوه التكفّل الإلهي له بحفظه وجمعه في صدره حتى لا يضيع منه شيء- وذلك بأن يقرأه النبيّ على جبريل في كل عام مرة؛ أخرج البخاري من حديث عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- قال: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون في شهر رمضان، لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن،