الحسّي والبرهان الماديّ على صحة (الفرضية) التي أوحت له بها بعض الآيات، فيترجح عنده آنذاك صحة فهمه للآيات التي أشارت إلى تلك الظاهرة، ويقدم لنا ما يطلق عليه: التفسير العلمي للقرآن الكريم، أو التفسير العلمي لآيات الكون والطبيعة في القرآن الكريم.
رابعا- شروط التفسير العلمي:
وحتى يأتي مثل هذا التفسير صحيحا أو مقبولا على أقل تقدير، لا بد فيه من مراعاة بعض الشروط والقواعد، ونوجز فيما يلي أبرز هذه الشروط:
١ - لا يفسّر القرآن إلا باليقينيات العلمية، أو بالحقائق الثابتة التي ارتقت من درجة الفروض أو النظريات العلمية إلى مقام اليقينيات أو «الفعل الواقع القائم» بحسب عبارة موريس بوكاي، والذي لا يمكن أن يتطرق إليه التغيير والتبديل! يسلم بوكاي بأن العلم متغيّر مع الزمن، وأن ما يمكن قبوله اليوم قد يرفض غدا، ولكنه يقول: يجب التفريق بين النظرية العلمية «وبين الفعل موضوع الملاحظة».
فالنظرية العلمية يمكن أن يستغنى عنها بما هو أكمل منها وأصح لتفسير الظاهرة، ولكن الفعل موضوع الملاحظة يبقى قائما. وقد يمكن تعريف سماته بشكل أحسن، ولكنه يظل على ما كان عليه من قبل. يقول: فدوران الأرض حول الشمس، والقمر حول الأرض، يبقى فعلا واقعا قائما، ولن نرجع عنه أبدا، ولكن قد يمكن في المستقبل تحديد المدارات بشكل أحسن (١).
وبناء على هذا التفريق بين الحقيقة العلمية الواقعة، أي الثابتة بالدليل الحسّي والبرهان المادي، والنظريات والفروض، تناول بوكاي القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى السابقة، بالدراسة والمقارنة بين مواقفها من تلك الحقائق الواقعة
(١) دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة تأليف: موريس بوكاي ص ١٨٤ دار المعارف ١٩٧٧.